الحمد لله.
أولا:
الذي يظهر من سؤالك أن القاضي طلق زوجتك طلاقا بائنا، ولهذا احتجت إلى عقد جديد للرجوع إليها مع كون عدتها لم تنقض.
والمطلقة البائن إن كانت حاملا، فلها النفقة والسكنى اتفاقا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة الأمر، أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا ، فإما أن يكون ثلاثا ، أو بخلع , أو بانت بفسخ ، وكانت حاملا :
فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجدِكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن .
وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا .
ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه ، إلا بالإنفاق عليها ، فوجب ، كما وجبت أجرة الرضاع " انتهى من "المغني" (8/ 185).
فإذا كان مقصودك بتوابع العصمة: النفقة وأجرة السكن، فهو حق للمطلقة الحامل حتى تضع حملها.
ثانيا:
إذا عقدت على زوجتك أثناء عدتها، فإن حقها في النفقة وأجرة السكن يكون لها من وقت الطلاق إلى وقت عودتها إليك .
أما ما بعد العودة : فإنها سوف تكتفي بنفقتك وسكنك، ولا يسقط هذا الحق إلا إن عفت عنه باختيارها، سواء بقيت في عصمتك الآن أم طلقتها.
وعليه :
فلها المطالبة بهذه النفقة الآن عن المدة التي بين طلاقها ، وعودتها إليك.
وأما قولك: " علما انها لم تخرج من عصمة زوجها شرعا حسب المذهب المالكي"
فهذا يعني أنك لا تسلّم لما حكم به القاضي من كون الطلاق بائنا.
وهذا لا يمكننا النظر فيه لعدم الوقوف على معطياته.
لكن ننبه إلى أمور:
الأول:
أن المذهب المالكي على أن كل طلاق أوقعه القاضي فهو طلاق بائن ، إلا طلاق المولي والمعسر بالنفقة.
قال الصاوي: " كل طلاق أوقعه الحاكم : يكون بائنا ؛ إلا طلاق المولي والمعسر بالنفقة" انتهى من حاشيته على "الشرح الصغير" (2/ 746).
فلو كان التطليق لأجل إعسارك بالنفقة، فهو طلاق رجعي عند المالكية، ويكون فسخا وبينونة عند الشافعية والحنابلة .
فلو حكم القاضي بالبينونة، فحكمه صحيح لا يُنقض ، لموافقته مذهبين معتبرين.
وفي "الموسوعة الفقهية" (41/ 66):
" واختلفوا فيما لو أعسر الزوج ، ولم ترض زوجته بالبقاء معه = في حقها في طلب التفريق بينها وبينه ؛ على قولين:...
القول الثاني: للمرأة حق طلب التفريق بينها وبين زوجها لعجزه عن الإنفاق، فإن امتنع فرق الحاكم بينهما.
وإليه ذهب المالكية، وهو الأظهر عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة .
وهذا التفريق فسخ عند الشافعية والحنابلة، وطلاق رجعي عند المالكية " انتهى.
الثاني:
أن المذهب المالكي على جواز التطليق لأجل الضرر، وأنه يكون طلاقا بائنا.
قال الحطاب في "مواهب الجليل" (4/ 17): " ص (ولها التطليق بالضرر).
ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: من الضرر قطع كلامه عنها، وتحويل وجهه في الفراش عنها، وإيثار امرأة عليها، وضربها ضربا مؤلما.
وليس من الضرر: منعها من الحمام ، والنزاهة ، وتأديبها على ترك الصلاة ، ولا فعل التسري" انتهى.
وقال عليش في "منح الجليل" (3/ 550): " (ولها) أي الزوجة (التطليق) جبرا على الزوج ، طلقة واحدة تبين بها (بـ) سبب (الضرر) من الزوج لها" انتهى.
الثالث:
أنه لو كان الطلاق رجعيا، فللمطلقة النفقة والسكنى والكسوة مدة العدة ، أي إلى وضع حملها. وهذا متفق عليه.
قال ابن عبد البر رحمه الله: " وأما الرجعية : فحكمها حكم الزوجة في النفقة والسكنى ، بإجماع من العلماء" انتهى من "الاستذكار" (6/ 129).
وعليه :
فسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا، فإن لزوجتك النفقة من وقت الطلاق إلى عودتها إليك.
والله أعلم.
تعليق