الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يترك القنوت أحيانا في رمضان ؟

289048

تاريخ النشر : 19-07-2018

المشاهدات : 49429

السؤال

أريد أن أعرف ، هل كلتا يدي الله تعالى يمين حرفياً أم أنها فقط من ناحية الخير مجازا ؟ وجدت حديثا في صحيح مسلم ، الذي يقول بعض العلماء عنه أنه دليل على أن الله سيحمل كل الأرض بشماله ، لكن ، في رواية أخرى عن ابن عباس والآخرين ، فإن الكلمة المستخدمة هي "اليد الأخرى لله ( اليمين) سوف تحمل الأرض". هل يمكن توضيح هذا ؟ السؤال الثاني : أمّنا صبي يوم السبت الماضي في صلاة التهجد ، وصلى الوتر بثلاث ركعات بتشهد واحد ، ومع ذلك نسي أن يقرأ القنوت في الركعة الثالثة ، وعند الانتهاء قال : هذه هي السنة أيضا ، أي ترك دعاء القنوت . لكن بقدر ما أعرف ، دعاء القنوت سنة وليس تركه كذلك ، فهل ترك النبي القنوت في الصلاة ؟ على الرغم من أن الصلاة لا تزال صحيحة ، لكن حجته تبدو غير صحيحة ، هل يمكن تصحيحها لنا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لله تعالى يدان كريمتان ، كما أخبر سبحانه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه السلف.

وإحدى يديه يمين، والأخرى هل يقال : إنها شمال؟

في ذلك خلاف بين أهل السنة ، لاختلافهم في صحة الزيادة الواردة عند مسلم (2788) وهي قوله:  ثم يطوي الأرضين بشماله  ، فمنهم من صححها، ومنهم من قال: إنها شاذة.

والأظهر أن الزيادة صحيحة ، وأنه يقال: إن إحدى يديه شمال من حيث التسمية، لكنها يمين مباركة، من حيث المعنى .

وذلك أن الشمال في حق المخلوق أنقص من اليمين ، ولكنها في حق الخالق ليست كذلك، فصفاته بالغة كل كمال وعظمة، ويداه يمين من حيث المعنى.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " كلها أحاديث صحيحة عند علماء السنة ، وحديث ابن عمر مرفوع صحيح ، وليس موقوفا ، وليس بينها اختلاف بحمد الله ، فالله سبحانه توصف يداه باليمين والشمال من حيث الاسم ، كما في حديث ابن عمر وكلتاهما يمين مباركة من حيث الشرف والفضل ، كما في الأحاديث الصحيحة الأخرى " .

انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 25 / 126 ) .

وينظر جواب السؤال رقم : (183552) .

ثانيا:

من أوتر بثلاث ، فله أن يسلم بعد ركعتين ، وله أن يسرد الثلاث بتشهد واحد في آخرها، ولا يشبّهها بالمغرب.

وينظر: جواب السؤال رقم : (38230) .

ثالثا:

القنوت في الوتر سنة؛ لحديث  الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال :" عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ :  اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ  " رواه أبو داود (1425) ، والترمذي (464) وحسنه ، وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/285) والنووي في "الأذكار" (86) .

ولم يرد في السنة أنه يفعل ويترك ، هكذا بالنص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان بعض العلماء أخذوا ذلك جمعا بين الأحاديث الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الوتر .

قال الألباني رحمه الله في كتابه "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 160) :

وكان صلى الله عليه وسلم يقنت أحيانا ...

وإنما قلنا : "أحيانا" لأن الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكورا القنوت فيه ، فلو كان صلى الله عليه وسلم يفعله دائما لنقلوه جميعا عنه .

نعم ، رواه أبي بن كعب وحده ، فدل على أنه كان يفعله أحيانا" انتهى .

وجاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يقنتون في رمضان كله، واستحب بعض العلماء للإمام أن يتركه أحيانا حتى  يُعلم أنه غير واجب.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وروي القنوت في النصف الآخر من رمضان : عن علي وأبي بن كعب وابن عمر وابن سيرين والثوري والزهري ويحيى بن وثاب، وقال ابن المنذر: ومالك والشافعي وأحمد...

عن الحسن قال : أمر عمر أبي بن كعب يصلي بالناس ، فكان إذا مضى النصف الأول واستقبلوا النصف الآخر، ليلة ست عشرة قنتوا ، فدعوا على الكفرة .

وقال ابن جريج: قلت لعطاء : القنوت في شهر رمضان؟ قال: أول من قنت فيه عمر. قلت: في النصف الآخر؟ قال: نعم" انتهى من "الاستذكار" (2/ 76، 77).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:

قيل: لا يستحب بحال، لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت في الوتر.

وقيل: بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره؛ ولأن في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - دعاء يدعو به في قنوت الوتر .

وقيل: بل يقنت في النصف الأخير من رمضان. كما كان أبي بن كعب يفعل.

وحقيقة الأمر: أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله، ومن شاء تركه ؛ كما يخير الرجل أن يوتر بثلاث، أو خمس، أو سبع، وكما يخير إذا أوتر بثلاث إن شاء فصل، وإن شاء وصل.

وكذلك يخير في دعاء القنوت إن شاء فعله، وإن شاء تركه .

وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن، وإن لم يقنت بحال فقد أحسن" انتهى من ا"لفتاوى الكبرى" (2/ 119).

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا ؟

فأجاب :لا حرج في ذلك بل هو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ، ولا بالمداومة عليه ؛ فدل ذلك على جواز الأمرين .

ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي، ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب،والله ولي التوفيق" انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 2 / 159 ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ينبغي أن يترك الدعاء أحيانا ، حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام"(152).

فما فعله إمامكم لا حرج فيه، وإن أراد بالسنة فعل الصحابة، فهو صحيح.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب