الحمد لله.
أولا:
الحول: هو سنة قمرية هجرية، اثنا عشر شهرا، وهذا مجمع عليه في اللغة والشرع والعرف.
قال ابن حزم رحمه الله: " وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ عَرَبِيًّا، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْحَوْلَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة: 36] . وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّالبقرة/189 .
وَقَالَ تَعَالَى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ يونس/ 5 .
وَلَا يُعَدُّ بِالْأَهِلَّةِ إلَّا الْعَامُ الْعَرَبِيُّ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ شَرِيعَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِالشُّهُورِ، أَوْ بِالْحَوْلِ ؛ إلَّا بِشُهُورِ الْعَرَبِ، وَالْحَوْلِ الْعَرَبِيِّ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ" انتهى من "المحلى" (4/ 76).
وقال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 202) : " ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن الحول اثنا عشر شهرًا" انتهى.
وقال ابن فارس رحمه الله: " (حَوَلَ) الْحَاءُ وَالْوَاوُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَحَرُّكٌ فِي دَوْرٍ.
فَالْحَوْلُ الْعَامُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحُولُ، أَيْ يَدُورُ. وَيُقَالُ حَالَتِ الدَّارُ وَأَحَالَتْ وَأَحْوَلَتْ: أَتَى عَلَيْهَا الْحَوْلُ" انتهى من "تهذيب اللغة" (2/ 121).
وقال في "القاموس المحيط"، ص989: " الحَوْلُ: السَّنَةُ، ج: أحْوالٌ وحُؤولٌ وحُوُولٌ" انتهى.
وقال في "المصباح المنير": " السَّنَةُ الْحَوْلُ".
وقال: " وَالْعَامُ: الْحَوْلُ ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى لَفْظِهِ ، فَيُقَالُ نَبْتٌ عَامِيٌّ ، إذَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ فَهُوَ يَابِسٌ"...
قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ: وَلَا تَفْرُقُ عَوَامُّ النَّاسِ بَيْنَ الْعَامِ وَالسَّنَةِ ، وَيَجْعَلُونَهُمَا بِمَعْنًى ، فَيَقُولُونَ لِمَنْ سَافَرَ فِي وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ ، أَيِّ وَقْتٍ كَانَ ، إلَى مِثْلِهِ : عَامٌ، وَهُوَ غَلَطٌ .
وَالصَّوَابُ : مَا أُخْبِرْتُ بِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ: السَّنَةُ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ عَدَدْتَهُ إلَى مِثْلِهِ، وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا شِتَاءً وَصَيْفًا.
وَفِي التَّهْذِيبِ أَيْضًا: الْعَامُ : حَوْلٌ يَأْتِي عَلَى شَتْوَةٍ وَصَيْفَةٍ، وَعَلَى هَذَا فَالْعَامُ أَخَصُّ مِنْ السَّنَةِ، فَكُلُّ عَامٍ سَنَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ سَنَةٍ عَامًا. وَإِذَا عَدَدْتَ مِنْ يَوْمٍ إلَى مِثْلِهِ فَهُوَ سَنَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ نِصْفُ الصَّيْفِ وَنِصْفُ الشِّتَاءِ، وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا صَيْفًا وَشِتَاءً مُتَوَالِيَيْنِ" انتهى من "المصباح المنير" (1/ 292)، (2/ 438).
ثانيا:
ما ذهب إليه المذكور من أن الحول عشرة أشهر ونصف، بناه على حجة واهية، ومغالطة ظاهرة.
فقد استدل على ذلك بقوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا الأحقاف/15 .
مع قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ البقرة/233 .
قال: والحمل تسعة أشهر، فيكون الحولان واحدا وعشرين شهرا، والحول عشرة أشهر ونصف.
فيقال له: قولك: والحمل تسعة أشهر، ما دليله؟!
فليس في القرآن ولا في السنة بيان مدة الحمل.
والحمل في واقع الناس يكون ستة أشهر وسبعة وثمانية وتسعة ..
فهذه المقدمة لا دليل عليها.
أما الفقهاء الذين أنار الله عقولهم بالفهم الصحيح فقالوا: إذا كان الحمل والرضاع ثلاثين شهرا، أي حولان وستة أشهر، والرضاع حولين، فإن أقل الحمل ستة أشهر.
ولا ينقضي العجب ممن يجترئ على الدين ويقول قولا يؤدي إلى ضلال الأمة ، وأنها أجمعت على مر القرون ، تلو القرون ، على التفريط في زكاتها، والضلال عن حولها، ثم يستدل بمثل هذه الحجة الواهية ، ويعتمد على المغالطة.
فالحذر الحذر من ضلالات هذا الرجل وأمثاله ، ممن يتكلمون في الدين بلا علم، ويجترئون على أحكام الله، ويقدحون فيما أجمعت عليه الأمة.
وقد روى مسلم في مقدمة الصحيح (6) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ .
ومن شأن هذا الضال وأمثاله أن يتكلموا في المسائل الشرعية دون نقل عن أحد، لا عن أهل اللغة ولا عن أهل الشرع، وكأنهم مجتهدون ينظرون في الأدلة، والحال أنهم لا يملكون شيئا من أدوات الاجتهاد، بل هم جهال متعالمون متجاوزون حدودهم.
وهؤلاء ، من حيث يشعرون ، أو لا يشعرون : هم أحد أسباب ظاهرة الإلحاد المنشرة اليوم؛ لما يؤدي إليه كلامهم من التشكيك في الدين، والطعن في الثوابت، والقدح في المسلمات، واتهام الأمة بالجهل والخطأ والضلال عن دينها.
وإذا كانت الأمة قد يغيب عنها معنى الحول، وتضل في زكاتها أربعة عشر قرنا، فماذا بقي للناس ، من أمر دينهم ، مما يثقون به ؟ وما المانع أن تكون الأمة ضلت عن غيرها من أحكام الدين ، بل ومن عقائده ، وأخباره أيضا ؟!
فالواجب الحذر والتحذير من هذه الفئة الضالة، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يرد كيدهم في نحورهم.
والله أعلم.
تعليق