الحمد لله.
يستحب في صلاة الجنازة أن تكون صفوفا ؛ لما ثبت عن جابر رضي الله عنه, أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على النّجاشيّ , فكنت في الصّفّ الثّاني , أو الثّالث" رواه البخاري (1317).
قال ابن حجر في شرحه لحديث جابر المتقدم :
"وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَأْثِيرًا ، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا ، وَكَانَ الْمُصَلَّى فَضَاءً وَلَا يَضِيقُ بِهِمْ لَوْ صَفُّوا فِيهِ صَفًّا وَاحِدًا ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَفَّهُمْ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ الصَّحَابِيُّ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ ، فَكَانَ يَصُفُّ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ ، سَوَاءٌ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا" انتهى من "فتح الباري" (3/187).
ويدل لذلك أيضا: حديث مالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ، وكانت له صحبة، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما مِن مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، إلّا أوْجَبَ .
قالَ: فَكانَ مالِكٌ إذا اسْتَقَلَّ أهْلَ الجَنازَةِ، جَزَّأهُمْ ثَلاثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ.
رواه أبو داود (3166)، وابن ماجه (1490)، والترمذي (1028)، وحسنه.
والحديث في سنده ضعف ، لكن له شاهد يتقوى به ، ولذلك حسنه الألباني في أحكام الجنائز.
وقد نص على استحباب ذلك فقهاء المذاهب:
قال النووي، رحمه الله: "ويستحب أن تكون صفوفهم ثلاثة فصاعد الحديث مالك بن هبيرة وفي تمام حديثه وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف " انتهى، من "المجموع شرح المهذب" (5/215).
وصرح ابن عبد البر رحمه الله بتفضيل هذه الصفوف، على صورة صف واحد طويل.
قال: " وفيه: الصف على الجنائز؛ ولأن تكون صفوفا: أولى من صف واحد فيه طول؛ لحديث مالك بن هبيرة ...". انتهى، من "الاستذكار" (3/21).
وفي مواهب الجليل في "شرح مختصر خليل" (2/216): "قال في العمدة: ويستحب أن تصف الجماعة على الجنازة ثلاثة صفوف انتهى. وأصله الحديث. والله أعلم" انتهى.
وقال ابن عابدين في حاشيته (2/214) قال: "ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف" انتهى.
وفي "كشاف القناع" (2/111) :
"وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَهُمْ عَنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ؛ لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ مَرْفُوعًا (مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ)، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ" انتهى.
فعلى ذلك؛ ينبغي أن يصفوا ثلاثة صفوف، ولو كانوا أكثر من مئة؛ لأن تعدد أسباب الشفاعة والمغفرة خير من اقتصارها على سبب واحد.
ولو اقتصر على صف واحد كما فعل هذا الإمام: فهو جائز ، فإن النظر في الأفضلية، لا في "صحة" الصلاة، ولا ينبغي الاختلاف على الإمام، خاصة في مثل هذا المقام.
والله أعلم .
تعليق