الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما حكم ترك التقاط اللقطة؟

291471

تاريخ النشر : 08-07-2023

المشاهدات : 5350

السؤال

إذا وجدت مالا في الطريق سواء كان يسيرا لا يلتفت إليه أو كثيرا فتركته مكانه تورعاً، فما رأيكم في هذا الفعل؟ مع العمل أني أعرف أن له حكم اللقطة .

ملخص الجواب

الأصل في حكم التقاط اللقطة الإباحة، وقد يعرض لها الاستحباب أو الوجوب أو الكراهة أو التحريم، نظراً لحال الملتقط أو حال اللقطة.

الجواب

الحمد لله.

من مظاهر الترابط الاجتماعي الذي جاءت به الشريعة: الحث على حفظ المسلم لمال أخيه المسلم، عملاً بما ورد من الآيات الدالة على البر والإحسان، وما ورد في شأن اللقطة خصوصا.

والأصل في حكم التقاط اللقطة: الإباحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاء يسأله عن اللقطة فقال: (‌اعْرِفْ ‌وِكَاءَهَا - أَوْ قَالَ: (وِعَاءَهَا) - وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) البخاري (91).

وقد تجري عليه الأحكام الخمسة بسبب عارض يعرض لحكم الإباحة.

وعند التأمل في أقوال الأئمة المعتبرين في المذاهب الأربعة، نجد أن أقوالهم قد تعددت في حكم الالتقاط حتى شملت الأحكام التكليفية الخمسة، لعدة اعتبارات وأحوال بنوا عليها الحكم، حيث فارقوا بين الأحكام، تارة مراعاة لحال اللاقط وأمانته، وتارة لحال المكان والأمان.

قال البابرتي – الحنفي - (ت ٧٨٦ هـ):

"والحاصل: أن اللقطة عند عامة العلماء على نوعين:

ما يكون أخذه واجبا، وهو ما إذا خاف الضياع. واستُدل على ذلك بقوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة: 71]؛ وإذا كان وليا وجب عليه حفظ ماله.

وبأن حرمة مال المسلم، كحرمة ماله؛ فإذا خاف على ماله الضياع وجب حفظه، فكذلك إذا خاف على مال غيره" انتهى من "العناية شرح الهداية" (6/ 119).

وما لا يكون أخذه واجبا، وهو ما إذا لم يخف الضياع:

فقيل: رفعه [أي: التقاطه] مندوب إليه؛ لقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى [المائدة: 2].

ولأنه: لو تركها، لا يؤمن أن يصل إليها يد خائنة، فتمنعها عن مالكها.

وقيل: تركه أفضل؛ لما ذكرنا أن صاحبها إنما يطلبها في الموضع الذي سقطت منه.

والأول: ظاهر المذهب".

وقال الشيخ عليش – المالكي - رحمه الله: "والالتقاط حرام على من عَلم خيانة نفسه، ومكروه للخائف.

وفي المأمون: الاستحباب، والكراهة، والاستحباب فيما له بال، والوجوب إن خاف عليها الخونة". انتهى من "منح الجليل شرح مختصر خليل" (8/230).

وقال ابن رشد رحمه الله:

وهذا الاختلاف: إنما هو إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين، والإمام عادل لا يُخشى أن يأخذها، إذا علم بها بتعريفه إياها.

وأما إن كانت اللقطة بين قوم غير مأمونين، والإمام عدل: فأخذها عليه واجب، قولا واحدا. والله أعلم.

ولو كانت اللقطة بين قوم مأمونين، والإمام غير عادل، لكان الاختيار ألا يأخذها، قولا واحد. والله أعلم.

ولو كانت بين قوم غير مأمونين، والإمام غير عادل: لكان مخيرا بين أخذها وتركها، وذلك بحسب ما يغلب على ظنه من أكثر الخوفين" انتهى من "المقدمات الممهدات" (2/478).

قال الماوردي – الشافعي - رحمه الله، بعد نقل القولين عند الشافعية بالوجوب والاستحباب: " وقال جمهور أصحابنا: ليس ذلك على قولين؛ إنما هو على اختلاف حالين:

فالموضع الذي لا يأخذها: إذا كانت تؤمن عليها، ويأخذها غيره ممن يؤدي الأمانة فيها.

والموضع الذي أوجب عليه أخذها: إذا كانت في موضع لا يؤمن عليها، ويأخذها غيره ممن لا يؤدي الأمانة فيها، لما في ذلك من التعاون.

وعلى كلا الحالتين لا يكره له أخذها، إذا كان أمينا عليها" انتهى من "الحاوي الكبير" (8/11).

وقال المرداوي – الحنبلي -: "ومن أمن نفسه عليها، وقوي على تعريفها: فله أخذها. والأفضل: تركها. هذا المذهب؛ نصَّ عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به في الوجيز، وغيره، وقدمه في الفروع، وغيره. وهو من المفردات.

وعند أبي الخطاب: إن وجدها بمَضْيَعةٍ: فالأفضل أخذها. قال الحارثي: وهذا أظهر الأقوال. قلت: وهو الصواب.

وخرَّج بعض الأصحاب من هذا القول: وجوب أخذها. وهو قوي في النظر" "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (6/405).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن حكم الالتقاط:

"وله: اللام هنا للإباحة، وهي في ضد المنع...، أي: لا يحرم عليه الالتقاط.

لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألا يلتقطه، أو يحرم عليه أن يلتقطه؟

فهنا نقول: فيه تفصيل:

إن كان له قوة وقدرة على التعريف: فالأفضل أخذها.

وإن كان يخشى ألا يقدر، أو أن يشق عليه: فالأفضل تركها.

وعلى هذا، فقوله: وله اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها، وقد يكون الأفضل أخذها" انتهى بتصرف يسير من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (10/ 366).

وقال في موطن آخر: "الصحيح في هذا أن يقال: إذا كان لا يأمن نفسه من التفريط وعدم التعريف: فالتقاطه حرام؛ لأنه يعرض نفسه لأكل مال بالباطل.

وإذا كان يخشى أن يضيع على صاحبه، مثل أن يكون حوله قطاع طريق، أو ما أشبه ذلك: فَأَخْذُهُ واجب عليه.

وإن لم يكن هذا ولا هذا: فترك أخذه أفضل" انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي" (5/ 275).

ومما سبق من أقوال الأئمة: نعلم أنّ الأصل في التقاط اللقطة الإباحة، وأنّه قد تعرض لهذا الأصل عوارض تجعله واجباً او مستحباً او محرماً أو مكروهاً.

وعليه: فإن الورع في الحال التي سألت عنها أن تنظر في حال اللقطة، وفي حالك، فإن كنت تجد من نفسك الأمانة والقدرة على التعريف؛ فيستحب لك أخذها.

وقد يتوجب عليك أخذها: إذا غلب على ظنك ضياعها، أو تلفها.

وإن خشيت على نفسك عدم القدرة على ذلك؛ فالورع تركها.

وهذا كله في حال كانت اللقطة ذات بال.

أما إذا كانت يسيرة، وهي ما لا تتبعه همم أوساط الناس، ولا يبحثون عنها، ولا يأسفون على فوتها: فلك الأخذ مطلقاً؛ ولا يجب عليك تعريفها.

قال ابن بطال رحمه الله: "واختلف العلماء فيما يُفعل باللقطة اليسيرة:

فرخصت طائفة في أخذها والانتفاع بها، وترك تعريفها، وممن روى ذلك عنه: عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وعائشة، وهو قول عطاء والنخعي وطاووس.

قال ابن المنذر: روينا عن عائشة في اللقطة: لا بأس بما دون الدرهم أن يستمع به.

وعن جابر بن عبد الله قال: كانوا يُرخِّصون في السوط والحبل ونحوه: إذا وجده الرجل ولم يعرف صاحبه؛ أن ينتفع به.

وقال عطاء: لا بأس للمسافر إذ وجد السوط والسِّقاء والنعلين: أن يستمتع به" "شرح صحيح البخاري" (6/553).

وقال ابن قدامة رحمه الله: " لم يفرق الخرقي بين يسير اللقطة، وكثيرها؛ وهو ظاهر المذهب، إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس، كالتمرة والكسرة والخرقة، وما لا خطر له: فإنه لا بأس بأخذه والانتفاع به من غير تعريف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها، بل قال له: ( لو لم تأتها لأتتك ) . ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم – تمرة، فقال: ( لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة، لأكلتها ) .

ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير، والانتفاع به.

وقد روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، وطاوس، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.

وليس عن أحمد وأكثر من ذكرنا: تحديد اليسير الذي يباح. " انتهى، من "المغني" (6/76).

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:

"كثيرًا ما يجد الإنسان في طريقه بعضًا من المال القليل فيأخذه؛ لأنه يقول: وجدته في شوارع المدينة، فكيف أجد صاحب المال، هل عليه إثم في ذلك؟

فأجاب: " إذا كان شيئًا يسيرًا لا تتبعه همة أوساط الناس، ولا يُلتفت إليه؛ فلا بأس، مثل عصا لا قيمة لها، حبل لا قيمة له، درهمين إلى عشرة دراهم، أشباه ذلك، هذه أمرها سهل، ولا حرج في أخذها.

أما الشيء الذي له أهمية، وله قيمة: هذا عليه أن يعرفه لمعارفه، في مجامع الناس، من له اللقطة الفلانية؟ من له الدراهم؟ من له البشت؟ من له النعل المعروف؛ كذا يبين، يبين حتى إذا جاء من يعرف هذه اللقطة؛ سلمها له، إذا عرف صفاتها الخاصة الدقيقة؛ أعطاه إياها، أو أقام الدليل عليها، وإلا فليدعها، يأخذها غيره.

أما أن يأخذ، ولا يعرف: لا، لابد أن يعرف اللقطة -إذا كانت ثمينة لها أهمية- في مجامع الناس كل شهر مرتين ثلاث، حتى يكمل السنة. فإذا تمت السنة؛ فهي له كسائر ماله.

ومتى جاء صاحبها بعد ذلك أعطاه إياها، ولو بعد مدة طويلة، أو يوكل من يعرفها، إنسان ... ينادي عليها كل شهر مرتين ثلاث في مجامع الناس؛ لعلها تظهر حتى يكمل السنة، نعم." انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب