الخميس 23 ربيع الأوّل 1446 - 26 سبتمبر 2024
العربية

الاحتقان في الدبر هل يفسد الصوم؟

293912

تاريخ النشر : 02-09-2024

المشاهدات : 414

السؤال

بالنسبة لما يتعلق بمبطلات الصوم، أجدها محصورة فى بعض النقاط؛ كالأكل، والشرب، والجماع، وما إلى ذلك من المبطلات المعروفة، لكن هناك الكثير من الأمور التى تحدث عنها بعض الفقهاء التى تبطل الصوم، لكنى لم أرهم تطرقوا إليها عند ذكر وحصر المبطلات فى مصنفاتهم وكتبهم، وكذلك الفتاوى المنشورة على المواقع الإلكترونية، وإنما كانت مسألة منفصلة فى موضع آخر فى هذه الكتب والمواقع، ومنها مثلا مسألة لم يخطر على ذهنى أبدا أن الصوم يبطل بها، وهى دخول الماء من فتحة الشرج، فلم أكن أتوقع أن تكون هذه المسألة مما اختلف فى إبطاله للصوم من عدمه، ولم أجدها مذكورة فى قائمة مبطلات الصوم، وهذا ما جعلنى بعد ذلك أتكلف البحث فى كل أمر بسيط قد يصعب جدا بطلان الصوم به، مثل: حك الجسد، والعبث به، وغسل الوجه، والاستحمام، وغيره، وهذا بالطبع يوقعنى فى حرج ومشقة، وفى الحقيقة إن نفس الأمر يحدث معى فى أمور الصلاة، فأتكلف البحث فى أمور بسيطة خشية بطلان الصلاة، فأرجو لو تكرمتم وذكرتم كلمات جامعة تهون علي الأمر، وتوضحون لى متى يلزمنى السؤال والبحث فى هذه المسائل، وإذا كان هذا الأمر من المبطلات أم لا، ومتى لا يلزم ذلك؟ولماذا يذكر العلماء فى مبطلات الصوم والصلاة بعض الأمور، ولا يذكرون كل ما من شأنه أن تبطل به حتى نجتنبه، أم أنا مخطئ فى فهم المسألة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد ذكر العلماء مبطلات الصوم ومبطلات الصلاة تفصيلا في مظانها، لكن لاختلافهم في بعض المبطلات، فإنك لن تجدها في بعض الكتب، بخلاف المبطلات المجمع عليها، فإن الجميع يذكرها.

وقد يذكر الفقيه الأمر بعبارة مختصرة، فيظن غير المتخصص أنه لم يورده.

ثانيا:

ذهب الجمهور إلى أن الاحتقان، أي إدخال شيء إلى الدبر، يفسد الصوم، سواء أدخل مائعا أو جامدا؛ لأن الدبر منفذ يصل منه الداخل إلى الجوف، إلا أن المالكية خصوه بالمائع.

حاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (28/ 38):

“الاحتقان: صب الدواء، أو إدخال نحوه في الدبر. وقد يكون بمائع أو بغيره.

فالاحتقان بالمائع؛ من الماء، وهو الغالب، أو غير الماء: يفسد الصوم، ويوجب القضاء، فيما ذهب إليه الجمهور، وهو مشهور مذهب المالكية، ومنصوص خليل.

وهو معلل بأنه يصل به الماء إلى الجوف من منفذ مفتوح، وبأن غير المعتاد: كالمعتاد، في الواصل. وبأنه أبلغ وأولى بوجوب القضاء من الاستعاط [إدخال الدواء عن طريق الأنف] …

أما الاحتقان بالجامد، ففيه بعض الخلاف:

فذهب الشافعية والحنابلة: إلى أن ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة يفطر، لأنه واصل إلى الجوف باختياره، فأشبه الأكل…

وذهب الحنفية إلى أن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافة يفسد الصوم، وعدم التغييب لا يفسده، كما لو بقي طرفه خارجا…

وخص المالكية الإفطار وإبطال الصوم: بالحقنة المائعة نصا” انتهى.

 وبهذا تعلم أن المذاهب الأربعة على التفطير بالحقنة الشرجية، ولو رجعت إلى كتبهم ستجد ذلك، فلا يصح قولك إن الفقهاء لم يذكروا ذلك في مبطلات الصوم، ولولا الإطالة لنقلنا ذلك من كتبهم.

 وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من العلماء إلى أن الاحتقان لا يفطر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “قوله: «أو احتقن» الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر، وهو معروف، ولا يزال يعمل، فإذا احتقن فإنه يفطر بذلك، لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف، والحقنة تصل إلى الجوف، أي: تصل إلى شيء مجوف في الإنسان، فتصل إلى الأمعاء فتكون مفطرة، فإذا وصل إلى الجوف شيء عن طريق الفم، أو الأنف، أو أي منفذ كان، فإنه يكون مفطراً، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وعليه أكثر أهل العلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا فطر بالحقنة؛ لأنه لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفاً، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة، أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، ولو كان لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مفطر، لكن الكتاب والسنة دلا على شيء معين، وهو الأكل والشرب.

وقال بعض العلماء المعاصرين: إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة، وإذا امتصها انتفع منها، فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به، وهذا من حيث المعنى قد يكون قوياً.

لكن قد يقول قائل: إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرد التغذية، وإنما هي التغذية مع التلذذ بالأكل والشرب، فتكون العلة مركبة من جزأين:

أحدهما: الأكل والشرب.

الثاني: التلذذ بالأكل والشرب؛ لأن التلذذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس، والدليل على هذا أن المريض إذا غذي بالإبر لمدة يومين أو ثلاثة، تجده في أشد ما يكون شوقاً إلى الطعام والشراب، مع أنه متغذٍ.

فإن قيل: ينتقض قولكم إن العلة مركبة من جزأين إلى آخره: أن السعوط مفطر مع أنه لا يحصل به تلذذ بالأكل والشرب؟

فالجواب أن الأنف منفذ معتاد لتغذية الجسم، فألحق بما كان عن طريق الفم.

وبناء على هذا نقول: إن الحقنة لا تفطر مطلقاً، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة.

فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقاً، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين.

ومن الحقن المعروفة الآن ما يوضع في الدبر عند شدة الحمى، ومنها أيضاً ما يدخل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك، فكل هذا لا يفطر.

ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشي أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله عزّ وجل” انتهى من “الشرح الممتع” (6/ 368- 370).

وانظر مفسدات الصوم في جواب السؤال رقم: (38023).

ثالثا :

أما ما ذكرته من خوفك أن يكون هناك مبطلات لعباداتك وأنت لا تعلم عنها ، مما أوقعك في حرج ومشقة، فيقال فيه:

إن التشدد في هذا، بل وفي عامة أمر الدين: مذموم كله، ويوقع في الوسوسة ، فيشك الإنسان في صحة كل عبادة يفعلها .

وكذلك التساهل مذموم ويؤدي إلى التفريط وعدم المبالاة ، والتهاون بأمور الدين والعبادات ، وخير الأمور أوساطها .

ويتحقق ذلك بقراءة كتاب مختصر من كتب الفقه ، تتعرف من خلاله على الأحكام التي تحتاج إليها ، ومن أخصر الكتب وأسهلها في ذلك ، كتاب “منهج السالكين” للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ، فإن أردت التوسع أكثر من ذلك : فكتاب “فقه السنة” للشيخ سيد سابق رحمه الله ، أو كتاب “الملخص الفقهي” للشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، فإن أردت أوسع من ذلك فكتاب “الشرح الممتع” للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، فهذه الكتب تكفيك إن شاء الله تعالى لتصحيح عباداتك ومعاملاتك .

ثم إن عرض لك بعد ذلك حكم لم يذكر في تلك الكتب فإنك تسأل أهل العلم ، أو تبحث عن فتوى لعالم موثوق في دينه وعلمه ، وتعمل بها .

وذلك يكفيك إن شاء الله تعالى ، حتى لو تبين لك أن الصواب والراجح خلاف ما عملت به ، ما دامت المسألة اجتهادية .

وانظر لمعرفة منهج لطلبة العلم السؤال رقم: (230969) .

وانظر لمعرفة الموقف من مسائل الاجتهاد السؤال رقم: (22652) ، (233733).

وإذا كانت مبتلى بالوسواس، كما يبدو لنا من سؤالك، فأعرض عنه، ولا تمكن الوسواس من نفسك؛ فيفسد عليك أمر دينك، ودنياك.

وإن رأيت أن الأمر وصل إلى صورة مَرَضية، فاعرض نفسك على طبيب نفسي، مختص؛ فالوسواس مرض معروف كسائر أمراض النفس والبدن. عافانا الله وإياك من كل مكروه وسوء.

وينظر للفائدة: هذا البحث المفيد حول الوسواس القهري.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب