الحمد لله.
أولا :
الحديث المذكور : أخرجه ابن ماجه في "سننه" 3295) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/74) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5478) ، من طريق عبد الأعلى بن أعين ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
إِذَا وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ فَلَا يَقُومُ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ ، وَلْيُعْذِرْ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ فَيَقْبِضُ يَدَهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ .
والحديث ضعيف جدا ، فيه عبد الأعلى بن أعين ، قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (773) :" يروي عَن يحيى بن أبي كثير ، مَا لَيْسَ من حَدِيثه لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ ". انتهى
والحديث : ضعفه ابن القيسراني في "معرفة التذكرة" (97) .
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (238) :" ضعيف جدا ". انتهى
وقد جاء في مثل هذا المعنى : حديث آخر ضعيف أيضا .
أخرجه ابن ماجه في "سننه" (3294) ، من طريق الوليد بن مُسْلِمٍ ، عَنْ مُنِيرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ عَائِشَةَ:( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُقَامَ عَنْ الطَّعَامِ حَتَّى يُرْفَعَ ).
وهذا الحديث : ضعيف جدا ، أيضا ، كما قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (239)
ثانيا :
معنى الحديث المذكور : أن من آداب الطعام ، إن كان المسلم يأكل مع إخوانه : ألا يقوم حتى يفرغ من معه من طعامهم ، فإنه قد يقوم قبل جليسه ، فيحوجه إلى القيام قبل أن يقضي منه حاجته .
وقد عدّه بعض أهل العلم من آداب الطعام .
قال الغزالي في "الإحياء" (2/8) :" أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَلَا يُرَاقِبَ أَكْلَهُمْ ، فَيَسْتَحْيُونَ ، بَلْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهُمْ وَيَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ .
وَلَا يُمْسِكَ قَبْلَ إِخْوَانِهِ إِذَا كَانُوا يَحْتَشِمُونَ الْأَكْلَ بَعْدَهُ ؛ بَلْ يَمُدَّ الْيَدَ وَيَقْبِضَهَا ، وَيَتَنَاوَلَ قَلِيلًا قَلِيلًا ، إِلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا . فإن كان قليل الأكل توقف في الابتداء ، وقلل الأكل ، حتى إذا توسعوا في الطعام : أكل معهم أخيراً .
فقد فعل ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم .
فَإِنِ امْتَنَعَ لِسَبَبٍ : فَلْيَعْتَذِرْ إِلَيْهِمْ ، دَفْعًا لِلْخَجْلَةِ عَنْهُمْ "انتهى .
وهذا المعنى طيب ، مع القيد الذي ذكره : " إن كانوا يتحتشمون الأكل بعده " ؛ فمثل هذا من مكارم الأخلاق ، ومعالي الآداب التي ينبغي النظر إليها ، ومراعاتها ، ولو لم يصح بها الحديث ، فإن الخلق الفاضل يدعو الرجل إلى النظر إلى إخوانه ، ومراعاة حاجاتهم ، وأحوالهم.
وقد أوضحه الفقيه ابن حجر الهيتمي أكثر ، فقال في "تحفة المحتاج" (7/438) :" وَلَا يَقُومُ الْمَالِكُ عَنْ الطَّعَامِ ، وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ ؛ مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً ، إلَى الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ ".
فقيد ذلك بمالك الطعام ، لأنه الذي يخجل الناس من قيامه عادة .
والظاهر أنه يلحق به عامة من يخجل الناس إذا قام هو ، ولم يفرغ من معه ، كما دل عليه عموم عبارة الغزالي .
وقيام المرء هنا قبل جليسه ليس حراما ، فقد نص أهل العلم على كراهته .
قال الحجاوي في "الإقناع" (3/237) :" ويكره رفع يده قبلهم ، بلا قرينة ، وأن يقيم غيره عن الطعام قبل فراغه ، لما فيه من قطع لذته ، ولا يقوم عن الطعام حتى يرفع ". انتهى
ثالثا :
وأما إن كان لكل أحد من الجلوس طعامه ، بحيث ينفصل عن غيره كما في الأعراس : فلا كراهة هنا ، لأن العلة منتفية .
قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (11/5) :" (نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع) وذلك لأنه : قد يقوم أحد القاعدين ، وآخر لما يكتفِ من الطعام ، فيقوم لقيامه ، وإن قعد عد جشعًا كثير الأكل .
وهذا في مائدة عليها جماعة ، لا إذا كان وحده ". انتهى
والله أعلم .
تعليق