الحمد لله.
أولا :
يجب على العبد أن يسلّم لحكم الله تعالى ، فهو سبحانه العليم الحكيم ، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ، وهو الحاكم الذي لا معقب لحكمه ، وذلك لكمال عظمته وجلاله وكبريائه ، وحكمته وعدله ولطفه .
ولا أحد أحسن حكمًا من الله تعالى ، قال الله سبحانه : وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة/ 50 ، وقال : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ التين/ 8 ، فالله سبحانه أعلم بما يصلح عباده ، وهو أعلم بهم من أنفسهم ، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك/ 14 ، وهو جل وعلا أرحم من الوالدة بولدها ، وهو أرحم الراحمين .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز عن الحكمة من رمي الجمرات والمبيت في منى ثلاثة أيام ؟
فقال : " على المسلم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع الشرع وإن لم يعرف الحكمة، فالله أمرنا أن نتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نتبع كتابه، قال تعالى : ( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) [الأعراف:3] ، وقال سبحانه : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ) [الأنعام:155] ، وقال سبحانه : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) [النساء:59]، وقال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [الحشر:7].
فإن عُرِفت الحكمة فالحمد لله ، وإن لم تعرف فلا يضر ذلك ، وكل ما شرعه الله هو لحكمة ، وكل ما نهى عنه هو لحكمة ، سواء علمناها أو جهلناها ، فرمي الجمار واضح بأنه إرغام للشيطان وطاعة لله ، والمبيت في منى الله أعلم بحكمته ، ولعل الحكمة في ذلك تسهيل الرمي إذا بات في منى، ليشتغل بذكر الله ويستعد للرمي في وقته لو شاء الذهاب في الوقت المحدد للرمي حسبما يتناسب معه ، فلربما تأخر عن الرمي وربما فاته، وربما شغل بشيء لو لم يبت بمنى . والله جل وعلا أعلم بالحكمة في ذلك " انتهى من موقع الشيخ
ثانيًا:
ثمة فارق كبير بين شعيرة رمي الجمرات ، وإقامة حد الرجم على الثيب الزاني .
فلما كانت جريمة الزنا بعد الإحصان مخربة للبيوت مدنسة للفراش مفسدة للأنساب ناسب ذلك وقوع أشد العقاب بأصحابها ؛ ردعًا لذوي الأهواء ، ونكالاً لأصحاب الفجور ، وعذابًا للمفسدين في الأرض ؛ المخربين الديار ، الساعين في الناس بالخطيئة والفساد ، فلذلك كان الرجم هو العقاب الأمثل لمرتكب هذه الفاحشة ، ولا يناسب أن تكون الحجارة صغيرة كحجارة رمي الجمار ؛ لأنها لن تؤدي النتيجة المرادة ، لأن المقصود هو قتله بهذه الأحجار ، وهذا لا يحصل إذا كانت الأحجار صغيرة الحجم كأحجار رمي الجمار في الحج ، ولذلك ذكر العلماء أن أحجار الرجم تكون في حجم البيضة أو نحوها ، حتى يحصل بها المقصود من الألم والقتل .
ولا يجوز أن يستبدل الرجم بالقتل بالسيف أو نحو ذلك ؛ لأن المراد هو التنكيل والتغليظ في العقوبة ، والرجم بالحجارة حتى الموت فيه ذلك التنكيل .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " لا يجوز استبدال الرجم بالقتل بالسيف ، أو إطلاق النار عليه ؛ لأن الرجم أشد نكالاً وتغليظا وردعًا عن فاحشة الزنا، الذي هو أعظم ذنب بعد الشرك ، وقتل النفس التي حرم الله ، ولأن حد الزنا بالرجم للمحصن من الأمور التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد والرأي فيها ، ولو كان القتل بالسيف ، أو إطلاق النار جائزًا في حق الزاني المحصن؛ لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولبينه لأمته ولفعله صحابته من بعده - رضي الله عنهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /49) .
أما رمي الجمار فهو أحد شعائر الحج العظيمة التي يؤديها الحجاج في أيام معدودات في منى.
وليس المراد من رمي الجمار ضرب الشيطان؛ بحيث تقع الحصاة على جسده فيتألم من ذلك! وليس في الشرع ما يدل على أن ذلك واقع، أو أنه الحكمة المقصودة من رمي الجمرات. وإنما شُرع رمي الجمار لعدة حكم ، منها :
1- التأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباع أمره ، فقد رمى الجمرات ـ وقال : ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ ) أخرجه مسلم (1297).
2- إغاظة الشيطان ؛ فإنه يغتاظ حينما يرى الناس يرجمون المكان الذي اعترض فيه خليل الله إبراهيم عليه السلام ، فهذا المشهد عبادة وشعيرة من أعظم شعائر الإسلام .
3- قدوة بأبينا إبراهيم الخليل عليه السلام حين اعترض له إبليس في هذه المواقف ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين شرع ذلك لأمته في حجة الوداع.
4- إقامة ذكر الله وإعلانه ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ).
وينظر : "مجموع فتاوى ابن باز" (17/ 310).
وبناء على ذلك : فإن المناسب لهذه الحكم أن تكون الحجارة التي تستخدم في هذه الشعيرة حصيات صغيرة ؛ إذ لا فائدة من كونها كبيرة ، فضلاً عما قد يترتب على كونها كبيرة من إلحاق الضرر بالحجاج الذين يكونون في مقابل الرامي من الجهة الأخرى ، أو المجاورين له .
وعلى كل حال: فلا علاقة أصلا بين الأمرين المذكورين، رجم الزاني، ورمي الجمرات، ولا وجه للشبه بينهما، حتى يقاس أحدهما بالآخر.
والله أعلم.
تعليق