الحمد لله.
أولأ:
يجوز وضع الصغير على الفخذ، أو إجلاسه في الحِجر؛ لما روى البخاري (6003) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا .
وروى البخاري (6191)، ومسلم (2149) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: "أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْلَبُوهُ، فَاسْتَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ فَقَالَ: أَبُو أُسَيْدٍ أَقْلَبْنَاهُ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: فُلَانٌ، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: لَا، وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ.
وروى البخاري (6002) عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَضَعَ صَبِيًّا فِي حَجْرِهِ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ .
ثانيا:
أما البالغ والبالغة، فيفرق بين جلوس الابن على فخذ أبيه، أو جلوس البنت على فخذ أمها، أو في حجرها، وبين جلوسهما على غير الوالدين، كالإخوة، والأقارب، والأباعد.
فيرخص في أمر الوالدين، إذا كان هذا جلوسا عارضا، لتمريض أو تسريح شعر، أو ملاطفة يسيرة.
وأما فعل ذلك بين الأخ وأخيه، والمرأة وأختها، فلا ينبغي، لأنه مظنة ثوران الشهوة، فإن كان الجلوس على العورة المغلظة حرم.
وأما مع الأصدقاء فلا يبعد أن يقال بالتحريم مطلقا؛ سواء كان الجلوس على الفخذ أو على العورة المغلظة؛ لأنه من أسباب الشر والفتنة، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع المفضية للفساد، وكم ترتب على التساهل في هذا من البلاء.
قال في "كفاية الأخيار"، ص353: " وَاعْلَم أَنه حَيْثُ حرم النّظر، حرم الْمس بطرِيق الأولى؛ لِأَنَّهُ أبلغ لَذَّة، فَيحرم على الرجل مس فَخذ الرجل بِلَا حَائِل.
فَإِن كَانَ من فَوق حَائِل وَخَافَ فتْنَة حرم أَيْضا" انتهى.
وقال الجمل في حاشيته (4/ 126):
" (قوله: دلك فخذ رجل): الدلك ليس قيدا، بل المدار على مطلق المس، والرَّجُل ليس قيدا، بل المدار على كون المحل الممسوس يحرم نظره، وإنما قيد بالرجل؛ لأنه ربما قد يتوهم جواز دلك الرجل فخذه، أي فخذ رجل آخر؛ لكثرة المخالطة بين الرجال، وبُعد تحرك الشهوة بين الرجل والرجل" انتهى.
وقال الشاطبي رحمه الله: " الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية...
وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز، إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية، لكن مآله غير مشروع " انتهى من "الموافقات" (5 / 179 - 182).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة، كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا، كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة، نهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4 / 465).
والله أعلم.
تعليق