الحمد لله.
أولا:
كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة / 89 .
وانظر: جواب السؤال رقم : (45676) .
ثانيا:
يجزئ في الإطعام مُدٌّ من أرز ونحوه، عند الجمهور، ومقداره 750 جراما تقريبا، وفرق الحنابلة بين البر وغيره، فيجزئ في البر مدّ، وأما غير البر فلابد من نصف صاع وهو كيلو نصف تقريبا.
ويجزئ أن يخرج الإنسان خبزا ولحما، أو أرزا ولحما، أو أرزا ودجاجا، أو خبزا وسمنا، ونحو ذلك إذا كان من أوسط طعامه؛ لأن الله أمر بالطعام، ولم يقدّره، فيرجع في تقديره إلى العرف، فلو غداهم أو عشاهم أجزأ، وكذا لو أعطاهم طعاما غير مطبوخ، بحيث يأخذ كل مسكين ما يكفيه لغذائه أو عشائه، كقدر من الأرز مع نصف دجاجة أو ربعها، بحسب الوسط من طعامه، ومعلوم أن هذا الوسط يختلف باختلاف الناس.
روى سعيد بن منصور في كتاب التفسير من سننه (794) عَنِ الْحَسَنِ : " فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، قَالَ: مَكُّوكًا مِنْ تَمْرٍ، ومَكُّوكًا مِنْ بُرّ، وَإِنْ دَعَاهُمْ فَأَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا، أَوْ خُبْزًا وَزَيْتًا، أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا، أَوْ خُبْزًا ولبنًا، أَجْزَأ ذلك عنه "، وصحح إسناده محقق السنن الشيخ سعد الحميد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإذا اختار أن يطعم عشرة مساكين: فله ذلك.
ومقدار ما يطعم مبني على أصل، وهو أن إطعامهم: هل هو مقدر بالشرع؟ أو بالعرف؟ فيه قولان للعلماء: ...
والقول الثاني: أن ذلك مقدر بالعرف، لا بالشرع، فيطعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم، قدرا ونوعا.
وهذا معنى قول مالك؛ قال إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يرى في كفارة اليمين أن المد يجزئ بالمدينة. قال مالك: وأما البلدان : فإن لهم عيشا غير عيشنا ، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم؛ لقول الله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ .
وهو مذهب داود وأصحابه مطلقا.
والمنقول عن أكثر الصحابة والتابعين : هذا القول؛ ولهذا كانوا يقولون : الأوسط خبز ولبن، خبز وسمن، وخبز وتمر. والأعلى خبز ولحم .
وقد بسطنا الآثار عنهم في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، وهو قياس مذهب أحمد وأصوله، فإن أصله أن ما لم يقدره الشارع ، فإنه يرجع فيه إلى العرف، وهذا لم يقدره الشارع ، فيرجع فيه إلى العرف، لا سيما مع قوله تعالى : مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ...
وإذا جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزا ، أو أدما ، من أوسط ما يطعم أهله، أجزأه ذلك عند أكثر السلف، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين وغيرهم، وهو أظهر القولين في الدليل، فإن الله تعالى أمر بالإطعام؛ لم يوجب التمليك، وهذا إطعام حقيقة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (35 / 349 – 352).
وعليه : فإن كانت السلة الغذائية فيها ما يكفي لإطعام عشرة مساكين، ولو من أطعمة منوعة، كأرز، وعدس، ولحم، وسمن، وزيت، فإنها تجزئ في الكفارة، كأن يكون فيها للمسكين ربع كيلو من الأرز، وربع دجاجة مثلا.
ويجب أن تعطى لعشرة مساكين ، ولو من أسرة واحدة ، أو أسرتين.
ولا عبرة بنحو السكر والشاي والصابون، فإن هذا ليس طعاما.
وإذا كان فيها ما يكفي لعشرين مسكينا، أجزأت عن كفارتين، بشرط أن توزع على عشرة مساكين على الأقل كما تقدم .
ولا حرج أن يأخذ المسكين الواحد ، نصيبين من كفارتين ، أو ثلاثة أنصبة من ثلاث كفارات، وهكذا.
والذي يظهر لنا أن البعد عن إخراج هذه السلة في الكفارة أولى؛ لأنه لو وُضع فيها طعام يكفي عشرة، فقد لا تُعطَى لعشرة مساكين ، فقد تعطى لأسرة مكونة من خمسة أفراد فقط .
فإن أخرجها في الكفارة ، فينبغي أن تقوم الإنسان على إخراجها بنفسه، ويعلم أنه أعطاها لعشرة مساكين .
أو يطلب من الجمعية إعطاءها لعشرة مساكين ، إذا كان القائمون على الجمعية ثقات أمناء .
والله أعلم.
تعليق