الحمد لله.
أولا:
إذا تعسرت أحوال المعمل، واتفق صاحبه مع العمال على أن يبقوا في منازلهم ويأخذوا نصف الراتب، إلى أن يتحسن وضع المعمل، فلا حرج في ذلك، ويكون ملزما بذلك، ما لم يفسخ العقد.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594)، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقال البخاري في صحيحه: " وقال ابن عون عن ابن سيرين: قال رجل لكريِّه: أَدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا، فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه" انتهى.
ثانيا:
الإجارة عقد لازم، فلا يجوز لأحد الطرفين فسخها إلى نهاية مدة العقد، إلا أن يوجد عذر طارئ للأجير أو المؤْجِر، فيجوز الفسخ للعذر على الراجح.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/271): " فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية- كما سبق-، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم) ولا يبقى العقد لازما، ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحبَ العذر ضررٌ لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.
وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظِئْر - لأن لبن الحامل يضر الرضيع - أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع= حقَّ للمستأجر الفسخ، أو البقاء على الإجارة.
وجمهور الفقهاء - على ما أشرنا - : لا يرون فسخ الإجارة بالأعذار؛ لأن الإجارة أحد نوعي البيع، فيكون العقد لازما، إذ العقد انعقد باتفاقهما، فلا ينفسخ إلا باتفاقهما" انتهى.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية انفساخ الإجارة بالأعذار الطارئة، كما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا تعذر استيفاء المنفعة بسبب ظاهرا. وينظر: "الشرح الممتع" (10/72).
وأخذت هيئة المعايير الشرعية بفسخ الإجارة للأعذار الطارئة.
جاء في معيار الإجارة: "يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين، المُخِلِّ بالانتفاع" انتهى من "المعايير الشرعية"، ص 141
ومن الأعذار الطارئة الركود الشديد، بسبب الحرب أو الوباء ونحوه، بحيث لا يتمكن صاحب العمل مع دفع الرواتب مع تحصيل قدر من الربح.
ثالثا:
بناء على ما تقدم فصاحب المعمل ملزم بدفع نصف الرواتب خلال هذه المدة، ما دام قد تصالح مع موظفيه على ذلك ، ولم يفسخ العقد معهم من أصله.
فإن تأخر في دفعها، فهل يراعى انخفاض قيمتها الشرائية؟
المفتى به في موقعنا أن العملة إن انخفضت بمقدار الثلث أو أكثر، فلابد من تعويض عن انخفاضها، وينظر: جواب السؤال رقم: (215693)، ورقم: (220839).
فإن كان الانخفاض أقل من الثلث فلا يلزم التعويض.
رابعا:
يجوز لصاحب المعمل أن يفسخ العقد وينهيه مع العمال كلهم، أو مع بعضهم دون بعض، إذا انتهت مدة عقده، أو وجد العذر المذكور، وهو الركود وعدم التمكن من دفع راتبه، فيفسخ العقد، ولا يلزمه بعد ذلك دفع شيء من الراتب؛ لانتهاء العلاقة بينه وبين العامل.
فإن لم تنته مدة العقد، ولم يوجد عذر يبيح الفسخ: فليس له الفسخ.
وقد يُستدل على عدم العذر بكونه لم يفسخ عقود الآخرين؟
لكن هذا ليس بلازم، فقد يكون متضررا من بقاء الجميع، لكن يصبر على أكثرهم، أو على بعضهم، على أمل تحسّن الوضع، فلا يجازف بالاستغناء عن جميع العاملين عنده، وفي هذا ضرر ظاهر على عمله.
وعلى كلٍّ؛ فعند الاختصام والمشاحة: ينظر في الأمر؛ فإن لم يوجد عذر لم يجز الفسخ إلا برضى العامل.
وينبغي التنبه إلى أن كثيرا من العقود يُنص فيها على أن لكل من الطرفين الحق في إنهاء العقد بعد إعلام الطرف الآخر قبل الإنهاء بشهر أو شهرين.
فإن كان العقد كذلك، فلصاحب المعمل أن ينهي عمل الموظف باتباع الإجراء المتفق عليه، ولو لم يوجد عذر طارئ، لكن يلزمه الراتب المتفق عليه أو نصفه إلى وقت الفسخ.
والله أعلم.
تعليق