الحمد لله.
أولا:
إذا ذبح الحيوان في موضع الذبح، وكان الذابح مسلما أو كتابيا، وذكر اسم الله، وأنهر الدم: حلت الذبيحة، ولا يضر لو قام بصعقها بعد ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ رواه البخاري (2488) ، ومسلم (1968).
فإذا ذبح الحيوان فقد حل، ولم يؤثر فيه شيء بعد ذلك من صعق أو غيره ، ولو كان يتحرك.
ويدل لهذا أمران: أن الفقهاء يمثلون بحركة المذبوح، وأنها لا تدل على حياة مستقرة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : (9/322) : " والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وأكيلة السبع ، وما أصابها مرض فماتت به ، محرمة ، إلا أن تُدرك ذكاتها ؛ لقوله تعالى : إلا ما ذكيتم . وفي حديث جارية كعب ، أنها أصيبت شاة من غنمها ، فأدركتها ، فذبحتها بحجر ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوها .
فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح ، لم تبح بالذكاة ; لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي ، لم يبح .
وإن أدركها وفيها حياة مستقرة ، بحيث يمكنه ذبحها ، حلت ; لعموم الآية والخبر . وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر" انتهى.
فغاير بين حركة المذبوح، وبين ما حياته مستقرة.
وقوله: " لو ذبح ما ذبحه المجوسي، لم يبح" كالنص في مسألتنا؛ إذ يدل على أن ما بعد الذبح الأول، لا يؤثر.
وينظر أيضا : "الحاوي الكبير" للماوردي (15/16-17).
ويدل لذلك أيضا: أن الفقهاء نصوا أن ما قطع من أعضاء البهيمة ، عقب الذبح مباشرة: لا يحرم أكله؛ وإن كان يكره قطع قطع شيء منها ، قبل موتها، أو استعجال موتها ، بغير ما ذبحت به .
قال ابن قدامة أيضا: " مسألة؛ قال: (ولا يقطع عضو مما ذكي حتى تزهق نفسه) كره ذلك أهل العلم؛ منهم عطاء، وعمرو بن دينار، ومالك، والشافعي، ولا نعلم لهم مخالفا.
وقد قال عمر - رضي الله عنه -: لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق.
فإن قُطع عضو قبل زهوق النفس وبعد الذبح، فالظاهر إباحته؛ فإن أحمد سئل عن رجل ذبح دجاجة، فأبان رأسها؟ قال: يأكلها. قيل له: والذي بان منها أيضا؟ قال: نعم" انتهى من "المغني" (9/ 401).
على أنه يمنع من صعق الحيوان بعد ذبحه إيضا ، إذا قدر على تركه ، والتهرب منه : لما فيه من أذى الحيوان وتعذيبه، وإن كان لا يؤثر على حل الذبيحة.
وأما الصعق قبل الذبح فحكمه مختلف ، كما لا يخفى ، وقد سبق الكلام فيه في جواب السؤال رقم : (112118) .
ثانيا:
الأكمل في الذبح أن يقطع أربعة أشياء : الحلقوم والمريء والودجين ، وهما الوريدان.
وإن قطع ثلاثة من أربعة : أجزأه ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويقطع المريء والحلقوم والودجان .
والأقوى : أن قطع ثلاثة من الأربعة يبيح ، سواء كان فيها الحلقوم ، أو لم يكن ؛ فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم ، وأبلغ في إنهار الدم " انتهى من "الاختيارات" ص 468
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/316) : " ولا خلاف في أن الأكمل قطع الأربعة : الحلقوم ، والمريء والودجين ، فالحلقوم مجرى النفس ، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب ، والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم ؛ لأنه أسرع لخروج روح الحيوان ، فيخف عليه ، ويخرج من الخلاف ، فيكون أولى ".
وذكر رحمه الله أن مذهب الشافعي وأحمد : اشتراط قطع الحلقوم والمريء فقط .
ومذهب مالك : اشتراط قطع الأربعة .
ومذهب أبي حنيفة : اشتراط قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين .
والله أعلم.
تعليق