الخميس 7 ربيع الآخر 1446 - 10 اكتوبر 2024
العربية

ما المقصود بالشفاعة التي وردت في الحديث أن المصلين على الجنازة يشفعون للميت ؟

299188

تاريخ النشر : 14-02-2019

المشاهدات : 55937

السؤال

عندي استفسار عن حديث ابن عباس (ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) قوله هنا إلا شفعهم الله فيه أي نوع من الشفاعه ؟ هل يعني هذا إنه توجب له الجنة ، وتمحى كبائره التي مات عليها من غير توبة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه رواه مسلم (947).

عن عبد الله بن عباس : " أنه مات ابن له بقديد - أو بعسفان - فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:  ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه  رواه مسلم (948).

وأما سبب الاختلاف في العدد، فقد " قيل: سبب هذا الاختلاف اختلاف السؤال، وذلك أنه سئل مرَّة عمَّن صلّى عليه مائةٌ واستشفعوا له، فقال: شفعوا. وسئل مرَّة أخرى عمَّن صلّى عليه أربعون فأجاب بذلك، ولو سئل عن أقلَّ من ذلك لقال ذلك - والله أعلم - إذ قد يستجاب دعاء الواحد ويقبل استشفاعه" انظر : "شرح البخاري" لابن بطال(3/ 302)، و "المفهم" للقرطبي (2/ 605).

 ثانيًا:

الشفاعة المذكورة هنا : معناها : الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة ، فهذا معنى شفاعة المصلين للميت .

ومعنى : شفعهم الله فيه : أي قبل دعاءهم له بالرحمة ، والمغفرة .

قال ابن عبد البر: " شهود الجنائز أجر وتقوى وبر، والإذن بها تعاون على البر والتقوى وإدخال الأجر على الشاهد وعلى المتوفى " انتهى من "التمهيد" (6/ 258).

معنى هذه الأحاديث أن الميت يرحم بصلاة الحي عليه، ومعناه: أن الدعاء للميت من هذا العدد من أسباب مغفرة الله له، انظر: "مجموع الفتاوى"(7/ 498).

فالشفاعة هنا معناها: قبول دعاء من صلى الجنازة على الميت، وفضل الله واسع .

قال ابن القيم رحمه الله : " فهذا مقصود الصلاة على الميت، وهو الدعاء له والاستغفار، والشفاعة فيه" انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/202) .

وقال المباركفوري رحمه الله: " وفي هذه الأحاديث : استحباب تكثير جماعة الجنازة ، ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد ، الذي يكون من موجبات الفوز.

وقد قيد ذلك بأمرين: الأول أن يكونوا شافعين فيه ، أي مخلصين له الدعاء ، سائلين له المغفرة. الثاني: أن يكونوا مسلمين ، ليس فيهم من يشرك بالله شيئا ، كما في حديث بن عباس" انتهى.

وقد قال البلقيني في التعليل: " لأن الشفاعة كلما كثر المشفعون فيها كان أوكد لها، ولا تخلو جماعة من المسلمين لهم هذا المقدار أن يكون فيها فاضل لا ترد شفاعته، أو يكون اجتماع هذا العدد بالضراعة إلى الله مشفعًا عنده " انتهى من "التوضيح شرح الجامع الصحيح"(9/ 610).

قال ابن عثيمين: " معلوم أن المصلين على الجنازة يشفعون إلى الله عز وجل لهذا الميت .

فهم يسألون من الله له المغفرة والرحمة، والدعاء للميت في الجنازة من أوجب ما يكون في الصلاة، بل هو ركن من أركان الصلاة لا تصح صلاة الجنازة إلا به، إلا المسبوق، وحديث ابن عباس يدل على أنه من قام على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه، أي: قبل شفاعتهم فيه، وهذه بشرى للمؤمن إذا كثر المصلون على جنازته فشفعوا له عند الله أن الله تعالى يشفعهم فيه" انتهى من "شرح رياض الصالحين"(4/ 537).

ثالثا :

وهذه الشفاعة تشمل الصغائر والكبائر، وهذا من فضل الله ورحمته، فمن قبل الله شفاعة الشافعين فيه ، واستجاب دعاءهم له ، كان ذلك من أسباب مفغفرة ذنوبه التي مات عليها ، من غير توبة. لكن تحقق الاستجابة في الشخص المعين : مرده إلى الله جل جلاله ، ولا يعني ذلك أنه تجب له الجنة بتلك الشفاعة؛ فقد يغفر الله بسبب شفاعة هؤلاء المصلين ذنوب هذا العبد، وقد يتبقى عليه ما قد يعاقب عليه في الآخرة، أو يعفو الله عنه، عفا الله عنا وعنكم بمننه وكرمه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في بيان الأسباب التي من أجلها تزول عقوبة الذنوب :

" دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه . وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه رواهما مسلم. وهذا دعاء له بعد الموت. فلا يجوز أن تحمل المغفرة على المؤمن التقي الذي اجتنب الكبائر وكفرت عنه الصغائر وحده فإن ذلك مغفور له عند المتنازعين. فعلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت" انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/498).
والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب