الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

شخص ينكر التعصيب في التركة، وينكر حديث ابن عباس

300835

تاريخ النشر : 25-01-2020

المشاهدات : 6159

السؤال

لي صديق عزيز ينكر حديث (ألحقوا الفرائض بأهلها... ) بحجة أنه مخالف للقرآن على حسب فهمه، وهو يقول : بشمول الذكر في قوله تعالى ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) ، ولا يرى بالعصبة مطلقا، ويحتجّ بقوله تعالى : (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد)، وبمفهوم الولد الذي يشمل الذكر والأنثى فإن العصبة لا يرث حتى لو كان الولد أنثى ، فما حكم ذلك؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

رفض هذا الشخص لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ   ، وفي رواية:  اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ  .

لا يخرج عن حالتين:

الحالة الأولى: أن يعتقد ضعفه؛ فهو بهذا مخالف لاتفاق الأمة على ثبوته وعلى العمل به، فقد اتفق على صحته البخاري (6732)، ومسلم (1615) وسائر أئمة الحديث، واتفقت الأمة على العمل به.

قال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:

" وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ )، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المال للعصبة.

وأجمع أهل العلم على القول به " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2 / 102).

الحالة الثانية: أن يعتقد صحة هذا الحديث؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، لكن يرده بزعم أن القرآن لم ينص عليه، فهذا التصرف ضلال عظيم؛ لأن طاعة الرسول فرض بنص القرآن، لا يتحقق الإيمان إلا بطاعته.

قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا  الأحزاب/36.

وقال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ  آل عمران /31 - 32.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ..." انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 / 32).

وزعم أن هذا الحديث يخالف القرآن، هو زعم كاذب، فلا يوجد اختلاف أصلا؛ لأن الاختلاف، يعني التعارض بين الحديث وآيات المورايث، بحيث إثبات أحدهما يلزم منه ابطال الآخر.

وهذا غير متحقق؛ فالحديث أكدّ ما جاءت به آيات المواريث، فنص على وجوب إعطاء الورثة أنصبتهم التي نص عليها القرآن، فقال صلى الله عليه وسلم:   أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا  ، وفي رواية:  اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ  .

ثم نص الحديث على مسألة خاصة؛ وهي في حال توزيع التركة على الورثة وفق أحكام الوحي، فأحيانا هذه الأنصبة لا تستوعب جميع مال التركة، فكيف يكون التصرف فيما بقي منها؟

فأجابت السنة على هذه المسألة؛ بأنه إذا بقي فضل بعد توزيع التركة، فإنه يعطى: ( لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ) إن وجد.

ثانيا:

قد أمر الله سبحانه وتعالى بملازمة سبيل المؤمنين، وحذر من مخالفته تحذيرا عظيما؛ حيث قال تعالى:  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  النساء/115.

ومن سبيل المؤمنين إثبات التعصيب، فأهل الإيمان بجميع مذاهبهم يثبتونه.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - جعل المال للعصبة.

وأجمع أهل العلم على القول به، وهذا إذا لم يدع الميت أحدا ممن له فريضة معلومة.

فإن ترك الميت من له فريضة أعطى فريضته، فإن فضل من المال فضل، كان ذلك بعد الفرض للعصبة؛ من كان عصبته، وإن كثروا إذا كانوا في القرابة إلى الميت سواء، فإن كان بعضهم أقرب من بعض، كان الأقرب أولي، وذلك:

لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)" انتهى من "الإشراف" (4 / 350).

ولم يخالف في هذا إلا أهل الزيغ والضلال، من المحادين لما أحكم الله في شرعه ، من أحكام الفرائض، وما شرعه لعباده .

وبكل حال، فما ذكر في السؤال عن هذا الشخص، مما يدل على أنه بلغ من الضلال غاية، أو أنه جاهل جهلا محضا، حقه أن يتعلم أوليات النظر في كتاب الله ، وسنة رسوله ، وما يحتاجه لتصحيح اعتقاده، وإقامة عباداته، لا أن يستشكل الواضح، ويستظلم المنير البين، بهواه، وعقله الكاسد.

ومما يدلك على ذلك ما ذكره في قول الله تعالى :  فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ  النساء/11 ؛ وأنه يشمل الذكور كذلك ؟!! فوالله، ما ينقضي العجب مما يخرج بفهمه الضال، عما تقتضيه لغات العرب والعجم، وأدنى فهوم الناس في الكلام، ليقول إن ( النساء ) ، تشمل (الرجال)، أيضا ؛ ثم هو يتكلم في كتاب الله ، وفي دين الله ، فيا حسرة على زيغ الفهم، وضلال الطريق، نعوذ بالله من الخذلان.

ويظهر أن هذا القائل: إنما ملأ أذنه ضلالات من يسمون بـ ( القرآنيين ) ، الذين يزعمون الاكتفاء بأحكام القرآن، عما ثبت في السنة ، زورا وبهتانا، ولا هم للقرآن عظموا، وبه أخذوا ، ولا بالسنة اقتدوا ، وإياها اقتفوا .

وينظر حول هذه الطائفة الضالة : جواب السؤال رقم : (3440)، ورقم: (220518) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب