الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

بيان معنى (البلاء موكل بالمنطق) وأمثلة له

301651

تاريخ النشر : 14-04-2021

المشاهدات : 18222

السؤال

سؤالي بخصوص موضوع قول سيدنا يوسف السجن أحب إلي، هل صحيح أن الله قال : (لو سألتنا العافية لعافيناك)، وإلى أي مدى البلاء موكل بالمنطق؟ فعلى فرض أنني قد قلت شيئاً من هذا القبيل، ووقع علي البلاء بسبب نطقي من غير أن أعلم أو أنتبه، فهل استغفاري يرفع البلاء (مثل قولي اللهم إني أستغفرك مما علمت ومما لا أعلم) ؟

الحمد لله.

أولا:

ما يروى أن الله قال ليوسف لو قلت العافية أحب إلي لعوفيت ليس له إسناد

ما يروى عن يوسف عليه السلام وقول الله له: أنت حبست نفسك الخ، لم نقف عليه في شيء من كتب السنة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، لكنه يحكى حكاية بلا إسناد في بعض كتب التفسير وغيرها.

قال القرطبي في تفسيره (9/ 184): " وحكي أن يوسف عليه السلام لما قال:" السجن أحب إلي"، أوحى الله إليه" : يا يوسف! أنت حبست نفسك، حيث قلت السجن أحب إلي؛ ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت" انتهى.

وينبغي التنبه إلى أن يوسف عليه السلام لم يقل: السجن أحب إلي وسكت، وكأنه يتمنى السجن، وإنما قال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يوسف/33

قال القرطبي: " أي أسهل علي وأهون من الوقوع في المعصية، لا أن دخول السجن مما يحب على التحقيق" انتهى.

ثانيا:

ضعف حديث البلاء موكل بالمنطق 

"البلاء موكل بالقول" : حديث ضعيف، رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (2/ 8/ 1)، ووكيع في "الزهد" (2/ 66/ 1) ، وضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (7/ 394) برقم (3382)، وصححه موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه.

وقال: " وقد روي الحديث بزيادة فيه بلفظ: "البلاء موكل بالمنطق، ما قال عبد لشيء: والله لا أفعله؛ إلا ترك الشيطان كل شيء، وولع به حتى يؤثمه".

موضوع. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (7/ 389) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (13/ 1) ، والديلمي (2/ 1/ 20) عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي الدرداء مرفوعاً.

قلت: وهذا موضوع آفته؛ عبد الملك هذا؛ قال يحيى: "كذاب". وقال ابن حبان: "يضع الحديث". وقال السعدي: "دجال كذاب". وذكر الذهبي أن هذا الحديث من بلاياه!" انتهى.

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 83)، والصغاني في "الموضوعات" برقم (101).

ثالثا:

من أسباب البلاء أحيانا: تكلم الإنسان به.

ولهذا القول محمل صحيح ، وهو أن الإنسان قد يقول شيئا سيئا، أو يعيّر غيره بخطأ، فيبتلى بوقوعه، وكل شيء بقدر، وقد جعل الله للمقدرات أسبابا، فيكون من أسباب البلاء أحيانا: تكلم الإنسان به.

ولذا ينبغي أن يتفاءل الإنسان ولا يتكلم بما فيه سوء.

وقد روى البخاري (6856)، ومسلم (1497) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : "  ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدِلًا، كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  اللَّهُمَّ بَيِّنْ  ، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا".

قال القرطبي في "المفهم" (13/ 118): " فقال عاصم : ما ابتليت بهذا إلا لقولي ، فذهب به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر الحديث . وهذا نصٌّ في أن المبتلى به عاصم من جهة : أنه امتُحن بوقوع ذلك برجل من قومه، فعظم عليه ذلك، وشق عليه، حتى تكلّف سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تلك المسألة القبيحة، ورأى أن ذلك كالعقوبة له؛ لَمَّا تكلَّم في اللعان قبل وقوعه، والله أعلم" انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 462): " وفيه أن البلاء موكل بالمنطق ، وأنه إن لم يقع بالناطق، وقع بمن له به وصله" انتهى.

وروى البخاري (3616) أيضا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ:  لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ  ، فَقَالَ لَهُ:  لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ  قَالَ: قُلْتُ: طَهُورٌ؟ كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  فَنَعَمْ إِذًا   .

قال ابن القيم رحمه الله: " ومن البلاء الحاصل بالقول: قول الشيخ البائس الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه حُمى، فقال: (لا بأس طهور إن شاء الله)، فقال: بل حمى تفور ، على شيخ كبير، تزيره القبور !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنعم إذا)!!

وقد رأينا من هذا عبرا فينا وفي غيرنا، والذي رأيناه كقطرة في بحر.

وقد قال المؤمل الشاعر:

شف المؤمل يوم النقلة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له البصر

فلم يلبث أن عمي...

فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تمنى أن يحسن أمنيته، وقال: (إن أحدكم لا يدري ما يكتب له من أمنيته) ؛ أي ما يقدّر له منها، وتكون أمنيته سبب حصول ما تمناه، أو بعضه، وقد بلغك أو رأيت أخبار كثير من المتمنين، أصابتهم أمانيهم أو بعضها، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:

احذر لسانك أن يقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق" انتهى من "تحفة المودود"، ص123

وذكر الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (13/ 345): " اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد؛ فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدموا الكسائي يصلي، فأُرتِج عليه في قراءة: (قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فلما أن سلم، قَالَ اليزيدي: قارئ أهل الكوفة يُرْتَج عليه فِي (قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ)؟ فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدموا اليزيدي، فأرتج عليه فِي سورة (الحمد)، فلما أن سلم قَالَ:

احفظ لسانك ؛ لا تقولُ، فتبتلى   *  إن البلاء موكل بالمنطق" انتهى.

رابعاً:

من نزل به بلاء، شرع له الدعاء لرفعه، سواء نزل بعد أن تكلم بمكروه، أو لا، وسواء كان عن جهل أو علم.

ومن جملة ما يرفع البلاء: التوبة، والإكثار من الطاعة، والاستغفار. والاستغفار من أعظم الدعاء.

وينظر للفائدة جواب السؤال: (302603).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب