الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تردد المصلي في تعيين الركعة التي هو فيها

303147

تاريخ النشر : 29-05-2019

المشاهدات : 15113

السؤال

وأنا أصلي الظهر في الركعة الثانية وسوس لي الشيطان أني لم أسجد في الركعة الأولى سجدتين ، وأنا أعلم أنها وسوسة ؛ لأني قمت للثانية ، وأنا بنية الثانية أي أن الأولى صحيحة ، لكن نسيت كم سجدت ، ولكن قمت على أنها سجدتين ، وحين شرعت في الركعة الثانية وسوس لي الشيطان فنويت أنها الأولى ، ثم قلت : لا إنها وسوسة ، وأكملت على أنها الركعة الثانية ، وأكملت صلاتي أربع ركعات صحيحة ، فهل بطلت صلاتي حين نويت الثانية بالأولى ، ثم عدلت عنها وجعلتها الثانية ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المطلوب في نية الصلاة أن تتقدم عليها ، قبل الشروع في تكبيرة الإحرام، وتكون نية عامة للصلاة بكمالها من غير تفصيل، وهذا يكفي؛ فلا يشترط أن يحدث نية لكل جزء من أجزاء الصلاة .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" نية العبادة تشمل جميع أجزائها، كما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة، لشمول نية الصلاة لجميع ذلك " انتهى من"أضواء البيان" (5 / 243).

لكن لو نوى بالركعة الثانية أنها الأولى متعمدا بلا عذر ؛ فإنه يبطل صلاته؛ لتلاعبه بأركانها بالإنقاص أو الزيادة فيها.

فإن حدث ذلك سهوا ، أو بسبب الشك والوسوسة : فهو معذور .

قال ابن القطان رحمه الله تعالى:

" واتفق الجميع أنه لو نوى بالسجدة الأولى ثانية ، وبالثانية أولى، وبالركعة الأولى ثانية، وبالثانية أولى ، ساهيا: أن صلاته لا تفسد بذلك، وأنها مجزئة " انتهى من"الإقناع" (1 / 139).

وعلى ذلك: فلا يضرك ما وقع منك من الشك ، وعزمك على احتساب الركعة الثانية أنها الأولى، ثم ترجيحك أنها الثانية، والبناء على ذلك ؛ لا يضرك شيء من ذلك ، إن شاء الله ، وصلاتك صحيحة. مع وجوب الانتباه إلى اطراح الوسوسة، والاسترسال في الشكوك، فإن ذلك من شأنه أن يفسد عليك عباداتك، وأمرك كله.

ثانيا:

الواجب على المصلي عند شكه في فعل ركن من أركان الصلاة، أن يجتهد في الخروج من هذا الشك، ويكون له حالان:

الحالة الأولى: أن يكون عند المصلي غلبة ظن.

فلو شك عند قيامه للركعة الثانية؛ هل سجد السجدتين في الركعة الأولى أم لا؟ فإن كان يغلب على ظنه أحد الاحتمالين، عمل به ، ثم سجد سجود السهو في آخر الصلاة بعد السلام.

فإن غلب على ظنه أنه سجد استمر في صلاته، ثم سجد للسهو بعد السلام.

وإن غلب على ظنه أنه لم يسجد، فعليه أن يجلس، ثم يسجد السجدة التي شك فيها، ثم يقوم إلى الركعة الثانية.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" رجل يصلي فلما سجد السجود الأول في الركعة الأولى، قام إلى الركعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فترك جلوسا وسجدة...

القول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرجوع ، ما لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية.

ففي المثال الذي ذكرنا، لما قام إلى الثانية؛ وشرع في قراءة الفاتحة؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى، فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، واسجد، ثم أكمل.

وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن ما بعد الركن المتروك يقع في غير محله لاشتراط الترتيب، فكل ركن وقع بعد الركن المتروك، فإنه في غير محله لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محله، فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الركن الذي تركه كما لو نسي أن يغسل وجهه في الوضوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذكر أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده، فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة، لأنه إذا رجع فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الركعة الثانية هي الأولى، ويكون له ركعة ملفقة من الأولى ومن الثانية " انتهى من "الشرح الممتع" (3 / 372 - 373).

ثم عليه بعد ذلك، في آخر الصلاة، أن يسجد للسهو بعد السلام.

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :  إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ  رواه البخاري (401) ، ومسلم (572).

الحالة الثانية: أن لا يغلب على ظنه شيء معين، فهنا يبني على اليقين، وهو الأقل، ففي الصورة المذكورة في السؤال : يكون يقينه أنه لم يسجد، فيجلس من قيامه ثم يسجد، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، ثم يسجد للسهو في آخر الصلاة قبل السلام.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ   رواه مسلم (571).

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا،  فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا ، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ   رواه الترمذي (398) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، ورواه ابن ماجه (1209) ، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3 / 341).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فأظهر الأقوال : الفرق بين الزيادة والنقص ، وبين الشك مع التحري ، والشك مع البناء على اليقين...

إذا شك وتحرى ، فإنه أتم صلاته ، وإنما السجدتان لترغيم الشيطان ، فيكون بعد السلام ...

وأما إذا شك ولم يتبين له الراجح، فهنا إما أن يكون صلى أربعا أو خمسا، فإن كان صلى خمسا فالسجدتان يشفعان له صلاته، ليكون كأنه قد صلى ستا لا خمسا، وهذا إنما يكون قبل السلام" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23 / 24 - 25).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" الصحيح الذي دلت عليه السنة أن الشك قسمان وهما:

1 ـ شك يترجح فيه أحد الطرفين، فتعمل بالراجح، وتبني عليه، وتسجد بعد السلام.

2 ـ شك لا يترجح فيه أحد الطرفين، فتبني فيه على اليقين، وتسجد قبل السلام، وهذا اختيار شيخ الإسلام " انتهى من"الشرح الممتع" (3 / 396).

وقد أحسنت في عدم العمل بهذا الشك ، لأن الظاهر من كلامك أنه كان مجرد وهم أو وسواس ، ولم يصل إلى درجة الشك التي يجب العمل فيها باليقين.

وقد نص العلماء على أن الشك إذا كان ضعيفا ، وهو ما يسمى بـ "الوهم" لا يعمل به .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"والشك لا يلتفت إليه في العبادات في ثلاث حالات:

الأولى: إذا كان مجرد وهم لا حقيقة له ، كالوساوس.

الثانية: إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيه شك.

الثالثة: إذا كان بعد الفراغ من العبادة ، فلا يلتفت إليه ، ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/99) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب