الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ماذا يحل للزوج من زوجته التي ظاهر منها

307186

تاريخ النشر : 22-06-2019

المشاهدات : 20111

السؤال

ماذا يحل للزوج من زوجته أثناء كفارة الظهار ؟ هل له تقبيلها ومداعبتها والاستمتاع بها دون الوطء ؟ أم يحرم عليه لمسها بأي طريقة إلى أن تنتهي الكفارة ؟

الجواب

الحمد لله.

أمر الله تعالى المظاهر من زوجته أن يخرج الكفارة قبل أن يتماسّا.

قال الله تعالى:   وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا   المجادلة /3.

وعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ؟

فَقَالَ:  وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟ 

قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ القَمَرِ.

قَالَ:  فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ   رواه الترمذي (1199)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "، وحسّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 / 433).

ودخول الجماع في قوله تعالى  :  مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا   وفي النهي عن قربانها، هو أمر متفق عليه.

ومن ترك دواعي الجماع ، كذلك، من الضم والقبلة ونحوهما: فقد أحسن، وأدى ما عليه بالاتفاق، وقد احتاط لأمر ربه تعالى.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" واتفقوا أنه إن لم يمس بشيء من جسمه كله، شيئا من جسمها كله، حتى يكفر: أنه قد ادى ما عليه " انتهى من "مراتب الإجماع" (ص 82).

لكن اختلفوا في غير الجماع هل يجب اجتنابه حتى يُكفّر، أم لا يجب؟

والذي عليه الجمهور أن مقدمات الجماع كالجماع يجب أن يجتنبها حتى يكفّر.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" ورخص في القبلة، والمباشرة: الثوري، وأبو ثور، وقال أحمد، وإسحاق، نرجو أن لا يكون به بأس.

وفيه قول ثان: وهو أن ليس للمظاهر أن يقبل، ولا يتلذذ منها بشيء، هذا قول الزهري، ومالك، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، وأبي عبيد.

وبه قال النخعي. " انتهى من "الإشراف" (5 / 296).

وقال ابن رشد رحمه الله تعالى:

" واختلف في قَوْله تَعَالَى: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )، فحمله أكثر أهل العلم على عمومه، فقالوا: لا يُقَبِّل المظاهر، ولا يباشر ، ولا يمس ؛ حتى يكفر. وهو مذهب مالك وأكثر أصحابه.

وقال الحسن وعطاء والزهري وقتادة: ليس على عمومه، والمراد به: الوطء خاصة، فللمظاهر أن يقبل ويباشر ويطأ في غير الفرج، وإنما نهي عن الجماع " انتهى من "المقدمات الممهدات" (1 / 605).

وقال الماوردي رحمه الله تعالى:

" أما وطء المظاهر قبل التكفير: فقد ذكرنا تحريمه بالنص والإجماع.

وأما ما سواه من الاستمتاع، كالقبلة والملامسة والتلذذ بما دون الفرج، ففي تحريمه قولان:

أحدهما: وهو ظاهر كلامه – أي الشافعي - هاهنا [يعني: في المختصر] وفي كتاب "الأم" : أن اجتنابه احتياط ، وفعله غير محرم؛ لأنه قال: أحببت أن يمتنع القبلة والتلذذ، احتياطا. ووجهه قول الله تعالى: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )، والمس في عرف الشرع عبارة عن الوطء، كما قال تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ).

ولأن تحريم الوطء في الحيض والصوم لا يوجب تحريم التلذذ بما سواه، كذلك في الظهار... " انتهى من "الحاوي" (10 / 452).

ويجاب عن هذا؛ أن "المس" وإن كان يطلق على "الجماع" إلّا أنّه ليس محصورا في هذا المعنى فيصح تناوله للمس من غير جماع،  فتفسر في كل موضع بحسبه وما يحيط به من القرائن، والمظاهر قد جعل زوجته كأمه؛ فكما لا يجوز له أن يتمتع بأمه بلمس ونحوه، فكذلك لا يجوز له هذا من زوجته التي ظاهر منها، وجعلها كأمه حتى يكفّر.

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:

" لما قال تعالى: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) : كان ذلك عموما في حظر جميع ضروب المسيس من لمس بيد أو غيرها.

وأيضا لما قال: ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) ، فألزمه حكم التحريم لتشبيهه بظهرها ؛ وجب أن يكون ذلك التحريم عاما في المباشرة والجماع ، كما أن مباشرة ظهر الأم ، ومسه : محرم عليه " انتهى من "أحكام القرآن" (5 / 310).

فعلى هذا : يكون معنى الملامسة المنهي عنها في الظهار ، أعم من مقاربة الحائض ، ومباشرة الصائم لزوجته المنهي عنهما؛ ولا تقاس عليهما ، لوجود الفارق، ويتعلق حكم الظهار بعموم جسد المرأة ، وليس فقط بخصوص فرجها.

وأما الحائض، فحيضها في فرجها ، دون سائر جسدها، كما يدل حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ  قَالَتْ، فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ:  إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ  رواه مسلم (298).

والصائم قد علم من مجموع الأدلة : أن المباشرة معناها إخراج الشهوة، ولذا حرم عليه إخراج شهوته ، ولو  بغير جماع في الفرج.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" لا نعلم بين أهل العلم خلافا، في أن من جامع في الفرج، فأنزل ، أو لم ينزل، أو دون الفرج، فأنزل: أنه يفسد صومه، وقد دلت الأخبار الصحيحة على ذلك " انتهى من "المغني" (4 / 372).

فالحاصل؛ أن القول الذي يترجح والذي يوافق معنى الظهار؛ هو أن الزوج إذا ظاهر من زوجته فإنه منهي عن قربانها ، والتلذذ بها ، بالجماع وبغيره من المسيس حتى يكفّر.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب