الخميس 12 محرّم 1446 - 18 يوليو 2024
العربية

يريد أن يرتد ثم يسلم من جديد لتسقط عنه عقوبة الزنا!!

307593

تاريخ النشر : 19-09-2023

المشاهدات : 2612

السؤال

لماذا عقاب الزنا الموت إلا إذا تاب، وفي نفس الوقت الكافر يزني كما يريد؟ هل يمكن للمرتكب بالزنا أن يكفر بدلاً من أن يتوب لزوال العقاب؟ لا يوجد شخص لا يفعل أحد الاثنين: يتوب ولو كذباً، أو يكفر فلا تطبق عليه قوانين الإسلام، فما هي فائدة أو سبب وجود العقاب؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

حرم الله الزنا وشرع له عقوبة تطهر من أقيمت عليه، وفي الوقت نفسه تردع هذه العقوبة الناس عن التورط في الذنب من الأساس.

وإذا قُدِّر أن هذه العقوبة لم تُقم على صاحب الذنب، لأن الله ستر عليه ، ولم تشهد عليه البينة بذلك؛ فإنه لا يُشرع له أن يفضح نفسه فيما بين الناس، أو ينشر خبر ما ألم به، وستره الله عليه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ؛ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ. مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ أخرجه مالك في "الموطأ" (2386).

قال ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد: "وفيه أيضا: ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه، إذا أتى فاحشة" انتهى.

وقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه) أخرجه البخاري(6069).

ثم لا يلزمه بعد ذلك أن يرفع أمره إلى الإمام، ويطلب منه أن يقيم الحد عليه؛ فإنه ليس من شرط التوبة النصوح أن يقام الحد على الزاني، أو السارق؛ بل لو تاب، وستر على نفسه، تاب الله عليه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

" ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر ، وأن يتقى الله عز وجل ، ولا يعود لمعصية الله ، فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده " انتهى . من "الأم" (6/149).

وينظر جواب السؤال رقم: (27113)، ورقم: (147808). 

ثانيًا:

شعور المسلم بالذنب وثقله: أمر إيجابي لأنه من صور الندم الواجب، والذي هو من شروط التوبة.

أما تحول هذا الثقل والندم إلى حالة لا يعين فيها العبد على التوبة والعمل الصالح، فإنه ساعتها ليس ندمًا مشروعًا، وليس شعورًا بالذنب يحبه الله، بل هو من تحزين الشيطان، يقود به العبد إلى القنوط من رحمة الله أو يقوده إلى أفكار وسلوكيات، ربما تكون أعظم وأثقل وأكبر من ذنبه الأساسي نفسه، حتى إن الشيطان في حالتك فتح لك أفكارًا حول الكفر الذي هو أعظم من الزنا بما لا يمكن قياسه، والحمد لله أنك حجزت هذه الأفكار عن نفسك بسؤالك هذا.

واعلم أخي الكريم أن الكافر يفعل ويفعل، ثم أنت تفترض أنه أسلم، تفترض هذا لأنك ترى كفارًا يسلمون، لكن أكثر الكفار لا يسلمون، فلماذا نسيت هذا؟ ونسيت أنهم حرموا نعمة الإسلام والتوبة أصلًا، لماذا تفترض أنك ستكون ممن يكفر ويسلم، ولن تكون ممن سيكفر فتقبض روحه من ساعته، أو سيكفر فيجتمع عليه شياطين الإنس والجن فلا يعود أبدًا؟

إن الله عز وجل لا يُخدع، وهو سبحانه يقبل الكافر الذي يندم ويتوب ويعود، ومن باب أولى فهو يقبل المسلم الزاني الذي يندم ويتوب ويعود، ويجعله سبحانه بالتوبة طاهرًا، كمن لا ذنب له.

ولتكن واقعيًا يا عبد الله؛ فلا يُخادعك الشيطان، أين هي عقوبة الزاني حولك كي تقارن بأن المسلم يعاقب والكافر لا يعاقب؟

أنت والكافر سواء في أن الله فتح لكما باب التوبة، وأنت وهو لستما سواء؛ ففرص عودتك وتوبتك وقبول الله لك أكثر بكثير، أكثر بعدد الكفار الذين يموتون ولا يحدثون أنفسهم بتوبة ولا بإسلام، فادفع عنك وساوس الشيطان، واستغفر لذنبك، وأقبل على ربك؛ فإن العبد إذا أذنب فأقبل على ربه بالتوبة والعمل الصالح، ربما يفوق من لم يذنب وذاك بانكسار نفسه واجتهاده لاستدراك نفسه.

أما من كفر فإنه لا يأمن أن يعود، بل ولا يأمن أن يملك نفسًا واحدًا يسحبه من الهواء إلى صدره، فالموت أعجل من ذلك، ثم إن المسلم إذا كفر حبط جميع ما قدمه من الإيمان والعمل الصالح، وهو لا يأمن إن عاد أن يكون له انشراح صدر للطاعة، فإن ما تتحدث عنه هو كهف مظلم لا يدري من دخله أيخرج منه أم لا، وإذا خرج هل تعود له روحه أم لا.

دع سبيل اليأس، والقنوط هذه؛ فأي يأس، وأي ظلام، فوق من فتح له الشيطان باب الكفر والردة بالله، لأجل ذنبه قد اقترفه؛ وقد فتح الله جل جلاله له أبواب رحمته، وفتح له باب التوبة على مصراعيه.

فعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ، مَسِيرَتُهُ سَبْعُونَ سَنَةً، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ رواه أحمد (18093) وغيره، وحسنه الألباني ومحققو المسند.

وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها رواه مسلم (2795).

فأيسر من ذلك كله، أن يطرق المذنب العاصي باب ربه، لا؛ بل هو مفتوح، فليلج من باب التوبة على أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب