الحمد لله.
أولاً:
الذي يفهم من سؤالك أن البيع الأول قد تم، وأن البائع رفض تسليم المبيع.
وسواء دفع المشتري ما بقي من الثمن، أم لم يدفع، لما ذكرت من امتناع البائع من تسليمه المنزل، فإن البيع صحيح، وقد ملك المشتري به المنزل شرعا.
ثانيا:
ما دفعه قريب المشتري على أنه عربون للبيع فيه تفصيل:
1-فإن كان ما تم هو مجرد وعد بالبيع، فهذا لا يعتبر عربونا شرعا؛ فإن العربون ما كان مع العقد، لا مع الوعد.
ولا يلزم صاحب المنزل أن يبيعه لقريبه، وعليه أن يرد المال له، وإن زاده شيئا مراعاة للضرر الذي لحقه، فخير، لكن لا يلزمه ذلك؛ لأن ما في ذمته دين، والدين يسدد بمثله.
ولهما أن يتبايعا الآن بالثمن الذي يتفقان عليه.
2-وإن كان ما تم بينها هو بيع جازم، فالأظهر أن هذا بيع فاسد، لأنه باع العقار قبل تمام ملكه، ووضع يده عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ رواه الترمذي (1232)، والنسائي (4613)، وأبو داود (3503)، وابن ماجه (2187)، وأحمد (14887)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1292).
قال الشيخ ابن باز، رحمه الله : " لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكا لها وقد قبضها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : (لا تبع ما ليس عندك) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : (لا يحل سلف وبيع ، ولا بيع ما ليس عندك) رواه الخمسة بإسناد صحيح.
وهكذا الذي يشتريها؛ ليس له بيعها حتى يقبضها أيضا؛ للحديثين المذكورين ؛ ولما رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ؛ ولما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا - يعني الطعام - يضربون أن يبيعوه في مكانه حتى يؤوه إلى رحالهم) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/64).
وينظر جواب السؤال رقم:(169750).
وقبض العقار، من الأراضي والمنازل ونحوها، إنما يكون بتسليمه للمشتري، وتمكينه من التصرف فيه؛ لا بنقله من مكانه، كما هو معلوم.
قال الدردير في "شرحه الكبير" (3/145): " (وقبض العقار) ، وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر (بالتخلية) بينه وبين المشتري وتمكنه من التصرف فيه بتسليم المفاتيح إن وجدت، وإن لم يخل البائع متاعه منها إن لم تكن دار سكنى، وأما هي، فإن قبضها بالإخلاء ولا يكفي التخلية" انتهى.
وعلى ذلك؛ فما لم يخل البائع الأول بين المشتري والمنزل الذي اشتراه، فإن ملكه عليه غير تام، ولا يصح للمشتري أن يبيعه لغيره، إلا بعد وضع يده عليه.
لكن بما أنهما عقدا البيع وهما يعتقدان صحته، ودفع المشتري الثاني جزءا من ثمنه، وبقي كل هذا الزمان عند صاحبه؛ فالذي نراه أن مقتضى العدل بينهما أن المشتري الأخير يملك حصة في المنزل بقدر ما دفع من ثمنه، وينتفع كل منهما بغنم ما دفع في ثمنه من المال.
ثم لهما أن يصطلحا بعد ذلك على الشركة فيه إلى أن يبيعاه، أو ما يتفقان عليه.
فإذا كان ما دفعه المشتري الثاني يساوي نصف ثمن البيت، مثلا؛ فإن نصيبه في ربح المنزل، بارتفاع سعره، يكون في حدود ما دفع فقط، فيكون له النصف، وإن شاء أكمل ثمنه بسعر يومه، وإن شاء فسخ البيع مع صاحبه، واصطلحا على ما يكون عليه الفسخ، إما بنصف ثمنه اليوم، أو بأكثر، أو بأقل على ما يصطلحان عليه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(184263)، وما نقلناه عن الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمه الله، هناك.
والله أعلم.
تعليق