الحمد لله.
أولا:
العجب ممن يسأل عن قوة الله وقدرته، وهو يرى هذا العالم بمجراته وكواكبه الضخمة الهائلة، كيف يسيرها الله تعالى، ويضبط ميزانها، وكيف خلقها وأوجدها من العدم، وكيف يمسكها ويحفظها من الزوال.
فلو لم يخبر الله عن نفسه أنه قادر وقدير وقوي، لوجب على كل عاقل يرى هذا الكون ، أن يقر بذلك إقرارا لا شك فيه.
لكن الإنسان الضعيف الجاهل، ربما قرأ كلمة هنا أو هناك، ثم جاء يجادل في قدرة الله!
الإنسان لا يساوي حجم هباءة في هذا الكون العظيم، ولكنه ظلوم جهول متمرد.
ما الذي يشغل الإنسان بالبحث في قدرة الله؟!
إذا كنت مقرا بأنه الخالق لهذا العالم، وكنت مبصرا أو مدركا لما تعنيه كلمة (العالم) وما فيه، فلا شك أنك مؤمن بقدرة الله.
وأما كيف يخلق الله المخلوقات، فنحن لم نشهد ذلك، وهو سبحانه يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ الكهف/51 .
ولكن الله أخبرنا ، أنه إذا أراد شيئا قال : له كن؛ فيكون ذلك الشيء، مباشرة.
قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس/82 .
فمن الجهل أن تقول: إنه يحتاج أن يقول: كن!
ونظيره أن تقول: إنه يحتاج أن يبصر، ويحتاج أن يسمع، ويحتاج أن يتكلم.
فإن الله منزه عن (الحاجة)، عظيم ، جليل، قوي ، قدير؛ عز وجل عن عيب وعن نقصان.
وليس لنا أن نتكلم في الغيب الذي لا نعلمه، فنقول: هل يخلق بدون كلمة كن أم لا؟ فهذا لا نعلمه، ولا يفيدنا البحث فيه شيئا.
ثانيا:
الأمور غير المنطقية، يراد بها الأمور المستحيلة.
والمستحيل نوعان: مستحيل عادة، كطيران الإنسان في الهواء، أو إحيائه الموتى، أو تكليمه الجماد، أو مكوثه في النار دون أن تضره، أو انقلاب الجماد حيوانا.
وهذا المستحيل : يجعله الله ممكنا، ويصيِّره أمرا واقعيا ، حين يشاء، وهو ما يسمى بخرق العادة، ويحصل هذا معجزة لنبي، أو كرامة لولي، أو استدراجا لكافر غوي، كالدجال، أو لما شاء الله من الحكم التي يستأثر بها على عباده.
فهذا كله مقدور لله تعالى، وقد وقع ، ولا يزال يقع منه الكثير.
والنوع الثاني: مستحيل عقلا، أو ممتنع لذاته، كخلق إله مثله، أو خلق صخرة لا يقدر عليها، لأن أي شيء مخلوق لا يكون إلها، ولا يعجز عنه من خلقه.
ومن المستحيل العقلي: الجمع بين الضدين، ككون الشيء أسود أبيض في نفس الوقت، فهذا يقطع العقل باستحالة وجوده، فلا يكون شيئا، وإنما هو عدم.
فلو قيل: هل يقدر الله على جعل الشيء أسود أبيض في نفس الوقت؟
فالسؤال غلط؛ لأنه يعني أن يكون للشيء لونان، لكن يفترض الذهن أنه لون واحد.
فكأنك تقول: يخلق اثنين، هما واحد. فهل الاثنان واحد؟!
وكذلك الجمع بين النقيضين، كأن يقال: هذا الإنسان داخل البيت، وخارجه. فهذا مستحيل عقلا.
فلو قيل: هل يقدر الله على جعل إنسان في البيت وخارجه معاً؟
فالجواب: أن السؤال باطل؛ لأنه يتضمن كون الإنسان ذا مكانين، والفرض أنه إنسان واحد، فلا يكون له إلا مكان واحد.
أو أن يكون هناك إنسانان، فلا يقال: إنسان واحد؛ لأن الواحد ليس الاثنين.
فكون الواحد اثنين، هذا ممتنع لذاته، لا يوجد في الخارج أبدا، فليس شيئا ألبتة، فلا يدخل في قوله: (على كل شيء قدير)، ولا تتعلق به القدرة أصلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قد أخبر الله أنه على كل شيء قدير والناس في هذا على ثلاثة أقوال:
طائفة تقول: هذا عام ، يدخل فيه الممتنع لذاته من الجمع بين الضدين، وكذلك يدخل في المقدور، كما قال ذلك طائفة منهم ابن حزم.
وطائفة تقول: هذا عام مخصوص، يخص منه الممتنع لذاته؛ فإنه وإن كان شيئا، فإنه لا يدخل في المقدور، كما ذكر ذلك ابن عطية وغيره. وكلا القولين خطأ.
والصواب: هو القول الثالث الذي عليه عامة النظار: وهو أن الممتنع لذاته ليس شيئا ألبتة، وإن كانوا متنازعين في المعدوم؛ فإن الممتنع لذاته لا يمكن تحققه في الخارج، ولا يتصوره الذهن ثابتا في الخارج؛ ولكن يقدّر اجتماعهما في الذهن ، ثم يحكم على ذلك بأنه ممتنع في الخارج؛ إذ كان يمتنع تحققه في الأعيان وتصوره في الأذهان؛ إلا على وجه التمثيل، بأن يقال: قد تجتمع الحركة والسكون في الشيء، فهل يمكن في الخارج أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد. كما تجتمع الحركة والسكون؟ فيقال: هذا غير ممكن . فيقدر اجتماع نظير الممكن ، ثم يحكم بامتناعه.
وأما نفس اجتماع البياض والسواد في محل واحد : فلا يمكن ولا يعقل، فليس بشيء ، لا في الأعيان ولا في الأذهان، فلم يدخل في قوله: وهو على كل شيء قدير " انتهى من مجموع الفتاوى (8/ 8).
وكل هذه المغالطات ما هي إلا وساوس إبليس، يلقيها في بعض القلوب، فتعمى بها عن رؤية الحقائق المهولة المشاهدة، فينكر ما تراه عينه من قدرة الله على خلق المجرات، ليبحث عن خلق إنسان أو قطة في مكانين!
فلا إله إلا الله، ما أحلمه، وما أكرمه!
ونقول لأخينا السائل: اتق الله في نفسك، ودع عنك الخيالات والأوهام، وانظر إلى الواقع المشاهد لتوقن بقدرة الله وعظمته، وتفكر في نفسك، وما أودع الله فيها من ملايين الخلايا، التي لا يقدر على تنظيم حركتها وسيرها إلى الله. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الذاريات/21
وأكثر من تلاوة القرآن، وقف مع سورة الرعد، وسورة النمل، وسورة الواقعة، ونحوها من السور، واقرأها ، وتأملها جيدا، وافتح قلبك لمواعظها، واقرأ تفسيرا مختصرا لها ، من تفسير الشيخ السعدي رحمه الله، ثم أقبل على القرآن، بكليتك، من أوله إلى آخره، وتأمله، وتدبره، واطلب الهداية من طريقه، ودع عنك الوساوس، والخطرات، واحذر من استدراج الشيطان اللعين لك.
والله أعلم.
تعليق