الحمد لله.
قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التوبة /60.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى ( وَالْغَارِمِين ).
وهم الذين ركبهم الدَّين، ولا وفاء عندهم به، ولا خلاف فيه.
اللهم إلا من ادَّان في سفاهة، فإنه لا يعطى منها، نعم ولا من غيرها إلا أن يتوب، فإنه إن أخذها قبل التوبة عاد إلى سفاهة مثلها أو أكبر منها " انتهى من "أحكام القرآن" (2 / 968).
ويشترط في هذا المدين أن لا يملك ما يسدد به هذا الدين، مما هو زائد عن حاجته.
قال ابن القطان رحمه الله تعالى:
" ومن ادَّان في مصلحة، أو معروف، وفي غير معصية، وعجز عن أداء ذلك من العَرَض والنقد: يُعطى في غرمه، لعجزه.
فإن كانت له عروض يقضي منها دينه، أو يقدر على ذلك: فهو غني ولا يُعطى، لاتفاق علماء الأمصار أنه لا يُعطى في هذه الحال.
فإن أدى الدين، وترك منه، ولم يبق له ما يكون به غنيا: أعطي بالفقر والمسكنة " انتهى من "الإقناع" (1 / 223).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الغارم لنفسه؛ أي: لشيء يخصه، فهذا نعطيه مع الفقر، والفقر هنا ليس كالفقر في الصنف الأول، فالفقر هنا العجز عن الوفاء، وإن كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله لمدة سنة أو أكثر.
فإذا قدرنا أن شخصا عليه عشرة آلاف ريال، وراتبه ألفا ريال في الشهر، ومؤنته كل شهر ألفا ريال، فهل ندفع عنه عشرة آلاف ريال؟
الجواب: نعم؛ لأنه الآن فقير بالنسبة للدَّين، فلا نعطيه من الزكاة لفقره؛ لأن راتبه يكفيه وإنما نعطيه من أجل الدَّين فهو فقير وعاجز عن الوفاء " انتهى من"الشرح الممتع" (6 / 234).
وبناء على هذا؛ فإنه يجب أن تتثبت من حال هؤلاء المدينين؛ هل هم عاجزون عن سداده، أم أن لهم من المدخرات أو الرواتب ما يستطيعون به السداد، لكنهم يؤخرون قضاء هذه الديون إلى وقت استلام الراتب الشهري ونحو هذا، صيانة لهذه المدخرات.
فإن كانوا لا يملكون ما يقضون به هذه الديون، جاز أن يعطوا من الزكاة.
وعلى هذا ، فالأمر يحتاج إلى شيء من التثبت ، والمعرفة بحال هؤلاء المدينين .
ثانيا:
يجوز أن تُعطى الزكاة مباشرة إلى الدائن ، ولايجب إعطاؤها للمدين .
قال المرداوي رحمه الله تعالى:
" لو دفع المالك إلى الغريم، بلا إذن الفقير، فالصحيح من المذهب: أنه يصح ... قال في "الرعايتين"، و "الحاويين": جاز على الأصح، وكلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية يقتضيه " انتهى من "الإنصاف" (7 / 246).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وهل يجوز أن نذهب إلى الدائن ، ونعطيه ماله دون علم المدين ؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن هذا داخل في قوله تعالى: ( وَفِي الرِّقَابِ ) فهو مجرور بـ "في" و ( وَالْغَارِمِين ) عطفا على الرقاب، والمعطوف على ما جر بحرف يقدر له ذلك الحرف، فالتقدير: "وفي الغارمين"، و "في" لا تدل على التمليك، فيجوز أن ندفعها لمن يطلبه.
فإن قال قائل: هل الأولى أن نسلمها للغارم، ونعطيه إياها ليدفعها إلى الغريم، أو ندفعها للغريم؟
فالجواب في هذا تفصيل:
إذا كان الغارم ثقة حريصا على وفاء دينه، فالأفضل بلا شك إعطاؤه إياها، ليتولى الدفع عن نفسه؛ حتى لا يخجل، ولا يذم أمام الناس.
وإذا كان يخشى أن يفسد هذه الدراهم فإننا لا نعطيه، بل نذهب إلى الغريم الذي يطلبه ونسدد دينه " انتهى من"الشرح الممتع" (6 / 234 - 235).
وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى؛ عن جمعية خيرية تقوم بالتسديد عن الغارمين من الزكاة الواردة إليها دون أن تعطيها للغارم نفسه.
فأجاب رحمه الله تعالى:
" لا حرج في أن تقوم الجمعية بتسديد الدين عن المعسرين بدون إذنهم، في أصح قولي العلماء، وإن أخذت إذنهم، أو وكلوا من يقوم مقامهم في قبض الزكاة من الجمعية وتسليمها لأهل الدين: فهو حسن، وفيه خروج من الخلاف.
والمشروع للجمعية أن تتحرى في ذلك الأشد حاجة من الفقراء الموجودين في البلد والغارمين، حتى ينال كل منهم نصيبه " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14 / 277).
فالحاصل؛ أنه لا حرج في دفع الزكاة على هذا الوجه، بعد أن تتأكد من كون هؤلاء الغارمين من المستحقين للزكاة.
والله أعلم.
تعليق