الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

قول المصلي في دعاء الاستفتاح : "وأنا أول المسلمين"

312822

تاريخ النشر : 03-11-2019

المشاهدات : 19523

السؤال

جاء في "صحيح مسلم" من استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. " ، وذكر فيه "وأنا أول المسلمين "، هل لنا أن نقول هذا الدعاء مع هذه الجملة الأخيرة ؟ من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أول المسلمين بالشريعة الخاصة به ، فكيف يكون هذا في حق غيره إن أراد الاقتداء به في الدعاء؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

روى مسلم في صحيحه - 201 - (771) - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ:

 وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ:  اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي  ، وَإِذَا رَفَعَ، قَالَ:  اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ  ، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ:  اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ:  اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .

ورواه أيضا، عقب هذا الرواية – 202 - (771) - بلفظ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ:  وَجَّهْتُ وَجْهِي ، وَقَالَ:  وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ   ".

وبهذا اللفظ الثاني – أول المسلمين - : رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2399)، و"أحمد" في "المسند" (729) ، (803).

ثانيا:

هذا الحديث، قد ورد من القرآن ما هو نظير لمعناه في ذكر لفظ الأولية؛ قال الله تعالى:  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ  الأنعام/ 162، 163 .

وقال تعالى:  وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ   الأعراف/ 143 .

وهذه (الأولية): هي أولية نسبية ؛ فكل نبي هو أول المسلمين من قومه ؛ حيث كان هو أول من دعاهم إلى الله ، فهو أولهم إسلاما ، وفائدة معرفة ذلك حيث كان معروفا فيهم بالصدق والأمانة أن يتابعوه ويقتدوا به ، وليبين لهم أنه لا يخالفهم فيما يأمرهم به ، بل يبادر إليه عن يقين تام .

ولا يفهم من الآية ، وانا أول المسلمين مطلقًا ، لأنهما سُبقا بمن كان على الإسلام من لدن آدم إلى وقتيهما ، فالمعنى مخصوص بهذا ، وهذا كثير في القرآن .

يقول الطبري في الآية الأولى : " وقل لهم أيضًا : إني أمرني ربي أن أكون أول من أسلم ، يقول : أول من خضع له بالعبودية وتذلل لأمره ونهيه وانقاد له من أهل دهري وزماني " انتهى من " جامع البيان"(9/ 177).

وآية موسى عليه السلام تحتمل الوجه السابق ، وتحتمل أيضًا أن يكون مراده : وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد في الدنيا ، قال الطبري: " وأنا أول المؤمنين [الأعراف: 143] بك من قومي أن لا يراك في الدنيا أحد إلا هلك "، التفسير" (10/ 432).

وقد ذكر أهل العلم في تفسير الآيتين هذا ، فقالوا : " ثم قال تعالى: قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم .

والسبب: أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق أمته في الإسلام ، لقوله : وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام: 163] ولقول موسى : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين [الأعراف: 143] "، "تفسير الزمخشري"(2/ 10)، و"تفسير الرازي" (12/ 492).

وقال الغرناطي: " وإذ تقرر هذا فقوله : ( وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) أمر خاص به ، ولا يَشْركه فيه غيره ، ونظير هذا قوله : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) (الأنعام: 14)، والمعنى يحرز ذلك ، بل لا يمكن خلافه ، وذلك أن الحكم من الأمر والنهي، إذا جاء به المَلَك، وتلقى منه صلى الله عليه وسلم ما خوطب به ، وصدق به ، وأسلم وجهه لربه .

وبعد ذلك يتلقاه منه ، عليه السلام ، من حضره وخاطبه به ، ولا طريق لأحد أن يتلقى حكماً إلا منه عليه السلام ، بعد تلقيه هو ذلك من جبريل .

فهو عليه السلام : أول مؤمن ، وأول مسلم ، ولا تمكن تلك الأولية لغيره ، ولا نسبة إليها لأحد " انتهى من  "ملاك التأويل" (2/ 425).

وينظر جواب السؤال رقم : (184941) ، ورقم : (287180) .

ثالثاً :

أما الجواب عن تأسي المؤمنين بنبيهم في هذا الدعاء، والالتزام باللفظ المذكور في استفتاح الصلاة : ( وأنا أول المسلمين ) ؛ فللعلماء في ذلك طرق، منها :

1- أن يقول المؤمن "وأنا من المسلمين" .

وفي سنن "أبي داود" (2/ 75) : " عن شعيب بن أبي حمزة قال : قال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة : فإذا قلت أنت ذاك فقل : "وأنا من المسلمين"، يعنى قوله : "وأنا أول المسلمين" "، انتهى .

وقال "البيهقي" في "السنن الكبرى" (2/ 50): " قال الشافعي رحمه الله: يجعل مكان ( وأنا أول المسلمين ) : ( وأنا من المسلمين ) .

قال البيهقي رحمه الله : " وبذلك أمر محمد بن المنكدر، وجماعة من فقهاء المدينة "، انتهى .

قال الطيبي : " هذا لفظ التنزيل حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام ، وإنما قال : أول المسلمين ، لأن إسلام كل نبي مقدم على إسلام أمته.

وقال القاري : والظاهر من القرآن أن نبينا عليه الصلاة والسلام مأمور بهذا القول ، فإنه تعالى قال له : قل إن صلاتي ونسكي [الأنعام: 162].

لكن كان يقول هذا تارة ، و"أنا من المسلمين" أخرى كما تقدم تواضعًا حيث عد نفسه واحدًا منهم كما قال : "واحشرني في زمرة المساكين" .

وفي "الأزهار" قوله: "وأنا أول المسلمين" مخصوص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأما غيره فلا يقرأ كذلك ، بل يقول : وأنا من المسلمين ذكره الأبهري.

قال القاري : قلت : وإلا كان كاذبًا ما لم يُرد لفظ الآية ، يعني لا يكون مخبرًا عن نفسه، بل تاليًا للقرآن ". انظر "شرح المشكاة" (1/ 681).

وقال السندي : " قوله : "وأنا أول المسلمين" قالوا : ينبغي لغيره : وأنا من المسلمين ، بإسقاط الأول، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول هذه الأمة، وأسبقهم إسلاماً ، بخلاف غيره "، انتهى ، حاشية "المسند" ط. الرسالة : (23/ 268).

ويقوي هذا القول: أن الحديث بهذا اللفظ أيضا، كما سبق نقله عن صحيح مسلم، وهو في المسند وغيره، بهذا اللفظ أيضا.

وصرح الحنابلة بإبدال لفظ (أول) بـ (من)، عند ذبح الأضاحي، وعللوه بمناسبة المعنى.

قال البهوتي رحمه الله: " قال عند توجيه الذبيحة إلى القبلة (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين) فحسن لما تقدم في حديث ابن عمر لكن بإسقاط " أول " لمناسبة المعنى.." انتهى، من "كشاف القناع" (3/8).

2- أنا لا بأس أن يقولها المؤمن ، على تأويل : المسارعة في الامتثال .

قال "الشوكاني" في "نيل الأوطار" (2/ 224) : " قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : إنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ إنَّمَا يَقُولُ : ( وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) .

وَهُوَ وَهْمٌ ، مَنْشَؤُهُ : تَوَهُّمُ أَنَّ مَعْنَى ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) : إنِّي أَوَّلُ شَخْصٍ أَتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ الْمُسَارَعَةُ فِي الِامْتِثَالِ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَنَظِيرُهُ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف: 81] "، انتهى ، وانظر : "عون المعبود" (2/ 332) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " ولا ضرورة عندي إلى هذا التغيير، بل للمصلي أن يقول: (وأنا أول المسلمين) إما على اعتبار أنه قائل للآية، وليس مخبراً في نفسه، وإما على معنى المسارعة في الامتثال لما أمر به، ونظيره: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَن وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ." انتهى، من "جامع تراث الألباني" (3/485).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب