الحمد لله.
هذا النوع من الثياب (الطرح) منه ما هو ساتر ولا زينة فيه ، فلا حرج على المرأة من لبسه والتحجب به.
ومنه ما لا يستر ، أو يكون زينة في نفسه ، فلا يجوز للمرأة لبسه أمام الرجال الأجانب عنها ، ولا يصح أن يقال عنه : إنه حجاب ، بل هو نوع من التبرج وإظهار الزينة .
فإن كانت (الطرح) من النوع الأول فلا حرج عليك من التصدق بها ، وإن كانت من النوع الثاني فلا يحوز ذلك ، لما فيه من التعاون على المعصية ، وقد قال الله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ المائدة/2 .
ثانيا :
إذا كانت هذه (الطرح) يمكن أن تلبس على وجه مشروع فتتستر بها المرأة والمسلمة ، وتتحجب حجابا شرعيا ، ويمكن أن تلبس على وجه آخر لا تتستر بها وإنما تكون نوعا من الزينة والتجمل عند من لا يحل لها التزين له:
ففي هذه الحالة ينظر إلى المتصدق عليها ، فإن غلب على ظنك أنها تستعملها استعمالا محرما ، فلا يجوز التصدق عليها بهذه الطرح .
وإن لم يغلب على ظنك ذلك، بأن علمت يقينا أنها لن تستعملها استعمالا محرما ، أو غلب على ظنك ذلك ، أو شككت وترددت في الأمر .
ففي هذه الأحوال الثلاثة لا حرج عليك في التصدق بها .
ثم إن استعملتها هي استعمالا محرما ، فلا إثم عليك ، وإنما الإثم عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية ، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم" انتهى من "شرح العمدة" (4/386).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" كل ما يستعمل على وجه محرم , أو يغلب على الظن ذلك ؛ فإنه يحرم تصنيعه واستيراده , وبيعه وترويجه بين المسلمين " انتهى من "فتاوى اللجنة" (13/109) .
ففي هذا : أن التحريم مبني على غلبة الظن ، فإن لم يغلب على الظن استعمالها في الحرام ، فلا حرج على البائع أو المعطي .
وقد ذكرت أن هؤلاء البنات "محجبات" ، فالغالب أنهن لن يستعملنه استعمالا محرما .
وحينئذ يجوز لك أن تتصدقي بهذه الطرح عليهن .
وفي هذه الحالة لا يجوز رميها ولا إتلافها ، ما دام يمكن الانتفاع بها على وجه مباح ؛ لأنفي رميها وإتلافها تضييعا للمال ، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك .
ثالثا:
أما ما ذكرت عن عائشة رضي الله عنها أنها أحرقت خمارا شفافا ، فلم نقف على شيء من ذلك ، وإنما الوارد عنها رضي الله عنها أنها قطعته وجعلته منديلين ، وذلك حتى لا يكون تقطيعه إتلافا وتضييعا للمال .
روى مالك في الموطأ (1660) عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: " دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ رَقِيقٌ ، فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا" رَوَاهُ مَالِكٌ.
قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (7/2793) :
" قَالَتْ: (دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : أَيِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، زَوْجَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ.
(شَقَّتْهُ عَائِشَةُ ) : أَيْ قَطَعَتْهُ نِصْفَيْنِ غَضَبًا عَلَيْهَا ، وَجَعَلَتْهُمَا مَنْدِيلَيْنِ، فَلَا يَرِد أَنَّ فِي شَقِّهَا تَضْيِيعًا" انتهى .
وقال الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/224) :
(خِمَارٌ رَقِيقٌ) يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ: أَنْ يَكُونَ مَعَ رِقَّتِهِ مِنْ الْخِفَّةِ مَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الشَّعْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْأَعْضَاءَ، وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا لِشِدَّةِ رِقَّتِهِ وَلُصُوقِهِ بِالْأَعْضَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْخِمَارِ" انتهى.
وفي هذا إرشاد إلى أنه إذا كان يمكن الاستفادة من هذه الخمر، ولو بقصها، أو تخييطها مع غيرها ، أو لبسها مع غيرها، أو غير ذلك من وجوه الانتفاع المباحة: لم يكن لك أتلافها ، ولا إحراقها ، كما سبق ذكره.
والله أعلم .
تعليق