الحمد لله.
أولا:
الصيغة المشهورة لهذه العبارة هي: "لله درك وعلى الله أجرك".
وهذه العبارة لا إشكال فيها؛ فالتعبير "على الله أجرك" هو تعبير جاءت به نصوص الوحي.
كقول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ الشورى/40.
وقول الله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا النساء/100.
أي أن على الله ضمان ثواب الأعمال الصالحة؛ فلا يوجد غيره من يثيب على الأعمال.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 196).
وكقول خَبَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ... " رواه البخاري (1276)، ومسلم (940).
وإفادة "على" على الوجوب لا يستنكر؛ لكن معناها أن الله هو الذي أوجب على نفسه لعبده الثواب ، تفضلا منه سبحانه وتعالى ، وإكراما لعباده المؤمنين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" (العبد) لا يرى لنفسه حقا على الله لأجل عمله؛ فإن صحبته مع الله بالعبودية والفقر المحض، والذل والانكسار، فمتى رأى لنفسه عليه حقا فسدت الصحبة، وصارت معلولة وخيف منها المقت، ولا ينافي هذا ما أحقه سبحانه على نفسه من إثابة عابديه وإكرامهم، فإن ذلك حق أحقه على نفسه بمحض كرمه وبره وجوده وإحسانه، لا باستحقاق العبيد، وأنهم أوجبوه عليه بأعمالهم.
فعليك بالفرقان في هذا الموضع الذي هو مفترق الطرق، والناس فيه ثلاث فرق:
فرقة رأت أن العبد أقل وأعجز من أن يوجب على ربه حقا، فقالت: لا يجب على الله شيء ألبتة، وأنكرت وجوب ما أوجب على نفسه.
وفرقة رأت أنه سبحانه أوجب على نفسه أمورا لعبده، فظنت أن العبد أوجبها عليه بأعماله، وأن أعماله كانت سببا لهذا الإيجاب، والفرقتان غالطتان.
والفرقة الثالثة: أهل الهدى والصواب، قالت: لا يستوجب العبد على الله بسعيه نجاة ولا فلاحا، ولا يدخل أحدا عمله الجنة أبدا، ولا ينجيه من النار. والله سبحانه وتعالى - بفضله وكرمه، ومحض جوده وإحسانه - أكد إحسانه وجوده وبره بأن أوجب لعبده عليه سبحانه حقا بمقتضى الوعد، فإن وعد الكريم إيجاب، ولو بـ "عسى، ولعل".
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( عسى: من الله واجب )... " انتهى من "مدارج السالكين" (3 / 2265 - 2267).
ثانيا:
والتعبير بلفظ "على الله شكرك" هي بمعنى "على الله أجرك"؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ رواه البخاري (173)، ومسلم (2244).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ) أي: أثنى عليه ، فجزاه على ذلك بأن قبل عمله وأدخله الجنة " انتهى من "فتح الباري" (1 / 278).
وينظر للفائدة: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" للشيخ علوي السقاف (214-216).
ويصح لغة أن تكون "على" بمعنى "من".
كما في قوله تعالى:( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) المطففي/2.
جاء في "تفسير الجلالين" (ص 587):
" ( الَّذِينَ إِذَا اِكْتَالُوا عَلَى ) أَيْ مِنْ ( النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) " انتهى.
فالحاصل؛ أن هذا التعبير لا بأس به؛ وإن أطلقه القائل على سبيل الخبر؛ إلا أن المقصود به غالبا الرجاء.
والله أعلم.
تعليق