الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

قول الإمام مالك في تزويج الدنيئة كالسوداء والفقيرة وهل هذا عنصرية؟

316940

تاريخ النشر : 20-01-2020

المشاهدات : 11704

السؤال

نقل عن الإمام مالك : " أما الدنيئة كالسوداء أو التي أسلمت أو الفقيرة أو النبطية أو المولاة ، فإن زَوَّجَها الجار وغيره – ممن ليس هو لها بولي– فهو جائز ، وأما المرأة التي لها الموضع (أي الشرف) فإن وليها، فُرِّقَ بينهما ، فإن أجاز ذلك الولي أو السلطان، جاز. فإن تقادم أمرها ولم يفسخ وولدت له الأولاد، لم يُفسَخ " ، فهل صح هذا ؟ وما توجيهه ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الإمام مالك بن أنس أحد الأئمة الأعلام المجتهدين، اتفقت الأمة على إمامته وجلالة قدره، وهو إمام دار الهجرة،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (20/320): " فلا ريب عند أحد: أن مالكا رضي الله عنه أقوم الناس بمذهب أهل المدينة، رواية ورأيا؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه ، كان له من المكانة عند أهل الإسلام - الخاص منهم والعام - ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام.

وقد جمع الحافظ أبو بكر الخطيب أخبار الرواة عن مالك ، فبلغوا ألفا وسبعمائة أو نحوها . وهؤلاء الذين اتصل إلى الخطيب حديثهم ، بعد قريب من ثلاثمائة سنة ؛ فكيف بمن انقطعت أخبارهم ، أو لم يتصل إليه خبرهم...

ولهذا قال الشافعي - رحمه الله - : ما تحت أديم السماء كتاب أكثر صوابا ، بعد كتاب الله:  من موطأ مالك. وهو كما قال الشافعي رضي الله عنه" انتهى.

ثانيا:

الكلام المنقول عن مالك رحمه الله، مشهور في كتب المالكية، ومعناه ظاهر، ولا إشكال فيه، فالمراد منه التفريق بين المرأة التي لا ولي لها، ولا حسب، ولا مال ولا جمال، لكونها أسلمت حديثا، أو جاءت إلى المدينة ولا أهل لها، كالسود الذين كانوا يأتون من مصر وأفريقيا.

وبين المرأة التي لها أولياء، ويلحقهم المعرة لو زوج موليتهم غيرهم، أو يُرغب فيها لمالها وجمالها.

وتسمية الأولى دنيئة : أي في أعين الناس، فهو إخبار عن الواقع في متعارف الناس، وقولهم؛ أي عن حكم تزويج هذه المرأة التي هي في عرف الناس دنيئة لا يُرغب فيها.

والفقهاء في أبواب الفقه : يهتمون بتقرير الأحكام المترتبة على الأسباب والشروط، ولا ينشغلون بالحكم على السبب نفسه، والنظر إليه من حيث هو ؛ فلا ينشغل هنا بجواز إطلاق وصف الدنيئة على المرأة ، أو عدم جوازه، فهذا يكون له موضع آخر، كما يقررون وجوب الغسل على من استمنى بيده ، أو تلوط بغلام، دون ذكر حكم الاستمناء واللواط، فهذا له موضعه.

فالكلام هنا حكاية للواقع، ولا يراد منه أن كل أسود دنيء أو كل نبطية ، أو حديثة الإسلام : دنيئة. فهذا لا يقوله من هو دون مالك بمراحل، بل لا يقوله من يقرأ القرآن ويعلم أن (أكرمكم عند الله أتقاكم).

وقد جاء في كلام مالك بيان المراد بالسوداء.

قال الزرقاني في "شرح خليل" (3/ 314): "(وصح بها في دنية) كمسلمانية ، ومعتقة ، وسود. قال مالك: وهم قوم من القبط ، يقدمون من مصر إلى المدينة ، وهم سود اهـ. أي: لا كل سوداء" انتهى.

وقال البناني في حاشيته عليه: "(وصح به في دنية) قول ز [أي الزرقاني]: لا كل سوداء إلخ. أي لا يعم وصف الدناءة كل امرأة سوداء ، كما لا يعم جميع من أسلم ، ولا جميع من أعتق؛ لأن كل واحدة منهن قد تكون من ذوات الأقدار التي يرغب فيها.

وإنما المراد : من كان منهن غريبًا ، غير معروف ، ولا مال له ، ولا جمال، كما قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد ، ونصه: فإن زوج بالولاية العامة ، مع وجود الخاصة : فإن كانت دنية كالسوداء ، والمسلمانية ، ومن في معناهما ممن لا يُرغب فيه بحسب ولا مال ولا جمال ولا حال: صح . اهـ.

ومقتضاه : أن من يُرغب فيها منهن ، بواحد مما ذكر : شريفة. وهو ظاهر.

وما ذكره عج ، مما يناقض هذا : غير صحيح ؛ لأنه زعم أن المسلمانية ، ومن معها : دنية مطلقًا . قال: لأن المراد بالحسب : ما يُعد من مفاخر الآباء ، وهو متضمن طيب النسب ، أي وهؤلاء بخلاف ذلك.

وهو غلط ؛ أما أولًا: فقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسب بالخُلُق ، بضمتين، خرج الإِمام أحمد والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى من حديث أبي هريرة ( كرمُ المؤمن دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه) . قال المناوي : أي ليس شرفه بشرف آبائه، بل بشرف أخلاقه. اهـ

فإن كانت واحدة ممن ذُكر، عفيفة صيِّنة حييَّة ، لا ترضى الدناآت: فهي شريفة .

والشيخ زروق بهذا فسر الحسب في شرح الرسالة ، ونقل عليه رواية أخرى ، قال : وفي الحديث نسب المؤمن دينه ، وحسبه خلقه ، وكرمه تقواه . فهذا هو مراده بالحسب.

وأما ثانيًا : فقد يُرغب فيها بالمال ، أو بالجمال فقط ، وإن انتفى الحسب ، على تسليم ما قال. والله أعلم . قاله الشيخ أبو عبد الله بن زكري" انتهى.

وقال ابن العربي- رحمه الله- في "القبس شرح الموطأ" (2/ 688): " ولما كانت فائدة الولي في النكاح : حفظ المرأة من الوقوع في غير الكفؤ ، فتلوِّث نفسها، وتلحق العار بحسبها؛ رأى مالك، رضي الله عنه، أن الدنيئة المقطوعة، لا يرتبط أمرها بالولي ، في إحدى رواياته، لأن الذي يُخاف منها، والمعنى الذي اعْتُبر الولي لأجله: معدوم فيها.

وتارة ألحق الدنيئة بالشريفة، أخذاً بعموم الحديث . وهو الأسلم في النظر ، والأسلم في الحسب؛ فإن تمييز الدنيئة من الشريفة يعسر في المراتب ؛ فسدّ الباب أولى" انتهى.

فينبغي أن يُعرف أقدار الأئمة، وأن يحمل كلامهم على أحسن المحامل، فهذا من علامة التوفيق.

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " وعلماء السلف، من السابقين ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر: لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل" انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب