الحمد لله.
أولا:
يجب المبادرة إلى قضاء العمرة الفاسدة وعدم تأخيرها ما دامت هناك استطاعة لذلك ؛ كما هو الأصل في الواجبات؛ ولأن في المبادرة براءة للذمة.
قال ابن جماعة رحمه الله تعالى:
" وإذا فسد الحج أو العمرة: وجب المضي في فاسدة ، ويجب قضاؤه على الفور في الأصح، وهو مذهب الثلاثة، إلا أن وجوب القضاء على الفور، هو مقتضى كلام الحنفية في الحج وفي العمرة على القول بوجوبها " انتهى من "هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك" (2 / 764).
ووجوب القضاء على الفور هو الذي يقتضيه قول ابن عباس ومن وافقه من الصحابة، والذي هو عمدة القول بالمضي في النسك الفاسد ثم القضاء.
عن أبى الطُّفَيلِ عامِرِ بنِ واثِلَةَ، عن ابنِ عباسٍ: في رَجُلٍ وقَعَ على امرأتِه وهو مُحرِمٌ، قال: " اقضِيا نُسُكَكُما، وارجِعا إلَى بَلَدِكُما، فإِذا كان عامُ قابِلٍ، فاخرُجا حاجَّينِ ..." رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (10 / 238).
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (7 / 518 - 519) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ عَبْد الله بْن عَمْرِو فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ ؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ، قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: بَطَلَ حَجُّهُ ، قَالَ: فَيَقْعُدُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ ، فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَابِلٌ حَجَّ وَأَهْدَى ، فَرَجَعَا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو فَأَخْبَرَاهُ، فَأَرْسَلَنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ ابنُ عُمْر، فَرَجَعَ إِلَيْه،ِ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالاَ "، وحسّن إسناده محققو "المصنف".
فهؤلاء الصحابة أمروه بالحج من قابل، ولم يأمروه بحج مطلق متى أراد.
ثانيا:
إذا استمر المتمتع في عمرته الفاسدة ، ولم يقضها ثم شرع في حجة التمتع؛ فحجه صحيح؛ لأنهما نسكان مستقلان ، لكل منهما إحرام وتحلل خاص به، فلا يفسد أحدهما بفساد الآخر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" الحج صحيح ولو حكمنا على العمرة بالفساد:
... هب أن العمرة فاسدة بالوطء المذكور؛ فلنخصها بالفساد ، ولا نعدي ذلك إلى الحج، وذلك أن الأصل أن أركان العمرة وواجباتها ومكملاتها: متعلقات بها وحدها، صحة وفسادا، أو نقصا وكمالا، كما أن الحج كذلك، وكلاهما نسك مستقل في ذاته ومستقل في أفعاله وأقواله، وبينهما حِل برزخ، لا من هذا ، ولا من هذا.
والعبادات المستقلة الأصل أن كل عبادة لا تفسد بفساد الأخرى؛ فإدخال هذه المسألة في هذا العموم أولى من إخراجها بحجة أن العمرة والحج مرتبط بعضها ببعض؛ فالارتباط إنما في وجوب الإتيان بالحج للمتمتع الذي لم يحج أو الذي فسخ عمرته إلى الحج، لا في أفعالها؛ بدليل استقلال كل منهما بما فيها من طواف وسعي ووقوف وحلاق وغيرها. والله أعلم. " انتهى من "مجموع مؤلفات السعدي" (21 / 130 – 131).
ومن فسدت عمرته؛ فإن دم التمتع لا يسقط عنه عند جمهور العلماء .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (14 / 11):
" ذكر الحنفية وهو رواية عن أحمد - أن من شروط التمتع عدم إفساد العمرة أو الحج، فإذا أفسدها لا يعتبر متمتعا، وليس عليه دم التمتع؛ لأنه لم يحصل له الترفه بسقوط أحد السفرين.
والمشهور عند الحنابلة أنه إذا أفسد القارن والمتمتع نسكيهما لم يسقط الدم عنهما، قال ابن قدامة: وبه قال مالك والشافعي؛ لأن ما وجب في النسك الصحيح وجب في الفاسد " انتهى.
والخلاصة :
أنه كان الوجب عليك أن تقضي العمرة قبل الحج – إن استطعت .
فإن لم تستطع بسبب ضيق الوقت أو لعذر آخر فلا حرج عليك من قضائها بعد الحج .
والله أعلم.
تعليق