الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

أخبار عن نائلة بنت الفرافصة

318556

تاريخ النشر : 28-01-2020

المشاهدات : 56902

السؤال

نائلة بنت الفرافصة هي الزوجة الثامنة من زوجات الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنهما، كانت نصرانية وبعد إسلامها بوقت قصير حفظت القرآن والسنة وحسن إيمانها رضي الله عنها، عندما حدثت الفتنة في عهد عثمان بن عفان وحاصروا داره، ومنعوا عنه الزاد والماء، بل ومنعوه من الخروج للصلاة، وطالبوه بأن يترك الخلافة، فأعلن رفضه قائلاً: لن أخلع قميصا كسانيه الله تعالى، ثم تسوروا عليه الدار، وهم شاهرون سيوفهم يريدون قتله، وما إن ألقى الرجال بحبالهم على أسوار منزله ودخلوا عليه حتى أسرعت نائلة تنشر شعرها، فقال عثمان : خذي خمارك؛ فإن حُرمة شَعْركِ أعظم عندي من دخولهم علي، ولما هجم عليه أحدهم ـ وهو يقرأ القرآن ـ وهوى عليه بسيفه، تلقت نائلة السيف بيدها، فقطعت أناملها، فصرخت على رباح غلام عثمان، فأسرع نحو الرجل فقتله، وبينما كانت تهرع لإمساك سيف رجل ثانٍ لكن الرجل تمكن من أن يقطع أصابع يدها، وحين هموا بقطع رأسه ألقت عليه بنفسها إلا أنهم لم يرحموا ضعفها، ولم يعرفوا لعثمان قدره، وبعد أن تمكنوا من عثمان ، وسال دمه على المصحف، حزوا رأسه، ومثَّلوا به، فصاحت والدم يسيل من أطرافها : إن أمير المؤمين قد قُتل، إن أمير المؤمنين قد قُتِل، ثم دخل رجل عقب مقتل عثمان، فقال لها : اكشفي عن وجهه، قالت : ولِمَ؟ قال الرجل : ألِطم حُرِّ وجهه فقد أقسمت بذلك، فقالت : ويحك أما ترضى ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : إنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام ، وهو ذو النورين، ولكنه لم يأبه لكلامها، فقال : اكشفي عن وجهه، ثم هجم عليها، فلطم وجه عثمان، فدعت عليه قائلة : يبس الله يدك وأعمى بصرك فاستجاب الله دعوتها . فما صحة هذا الكلام ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

حادثة استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، هي من الحوادث التي تواترت بها الروايات، وقد سبق في موقعنا ذكر نبذة عن هذا في جواب السؤال رقم: (239015).

وكذا زواجه رضي الله عنه بنائلة بنت الفرافصة وكانت نصرانية فأسلمت، هذه من الحوادث التي اتفق عليها أهل السير والتاريخ، واشتهرت بها الأخبار، ومن ذلك ما رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (3 / 981)، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْفُرَافِصَةِ الْكَلْبِيِّ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ حَتَّى تَحَنَّفَتْ حِينَ قَدِمَتْ عَلَيْهِ.

ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (14 / 293) بإسناده عن ابْنُ وَهْبٍ، عن سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ.

وهذا الإسناد رواته من أهل المدينة -باستثناء بشر بن عمر- مقبولون؛ غير أنّ عمرو بن أبي عمرو، قد وثّق لكن ربما يهم، وأبو الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية الزرقي قال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص 350): "صدوق سيء الحفظ".

ومثل هذا الإسناد لا بأس به ، في مثل هذه الروايات التاريخية ونحوها .

وكون نائلة رحمها الله تعالى أخذت شيئا من العلم عن زوجها عثمان رضي الله عنه؛ فهذا مما لا يستبعد؛ لكن لم نقف على ما يشير إلى مقدار سعة علمها بالكتاب والسنة.

ثانيا:

حادثة كشف نائلة رحمها الله تعالى لشعرها؛ أثناء مقتل زوجها عثمان رضي الله عنه؛ هو خبر رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (4 / 1300)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ أبي الجرّاح مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَ: " كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدَّارِ. فَمَا شَعَرْتُ وَقَدْ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: هُمْ فِي الصُّلْحِ، إِذَا بِالنَّاسِ قَدْ دَخَلُوا مِنَ الْخَوْخَةِ وَتَدَلَّوْا بِأَمْرَاسِ الْحِبَالِ مِنْ سُورِ الدَّارِ وَمَعَهُمُ السُّيُوفُ، فَرَمَيْتُ بِسَيْفِي وَجَلَسْتُ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ صِيَاحَهُمْ، فَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مُصْحَفٍ فِي يَدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى حُمْرَةِ أَدِيمِهِ، وَنَشَرَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ شَعْرَهَا، فَقَالَ لَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُذِي خِمَارَكِ فَلَعَمْرِي لَدُخُولُهُمْ عَلَيَّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ شَعْرِكِ".

وهذا الإسناد فيه عبد الواحد بن عمير ولم نقف له على ترجمة؛ إلا أن يكون هو عبد الواحد بن عبد اللَّه بن كعب بن عُمَير فهو ثقة، فالله أعلم.

فإن كانت الحادثة صحيحة؛ فالظاهر من الخبر أن نائلة رحمها الله تعالى أرادت أن تحرجهم، فلا يدخلوا إذا علموا أنها بغير خمار، وكان أصحاب الفتنة يتظاهرون بالصلاح وحب العدل.

وقد ورد ما يدل على هذا المعنى لكن إسناده ضعيف، فروى ابن شبة أيضا (4 / 1283)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْهُذَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَزْهَرَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: " دَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَتْ نَائِلَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا أُلْقِي خِمَارِي عَنِّي، لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ عَنْ بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: الَّذِي يَطْلُبُونَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِمَّا تَذْكُرِينَ ".

وأبو قلابة تابعي بصري لم يشهد الحادثة.

وعَمْرو بن الأزهر الواسطي، ضعيف الحديث.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" عمرو بن ازهر العتكى نزل بغداد، روى عن ابن جريج.

رماه أبو سعيد الحداد بالكذب. سمعت أبي يقول ذلك.

قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: عمرو بن ازهر كان بواسط بصرى ضعيف الحديث.

سألت ابى عن عمرو بن الازهر، فقال: هو متروك الحديث " انتهى من "الجرح والتعديل" (6 / 221).

على أن قوله عثمان رضي الله عنه في هذه الرواية: ( الَّذِي يَطْلُبُونَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِمَّا تَذْكُرِينَ ) ، هو وجه الكلام ، وهو المعقول منه ؛ ومراده : أنهم إذا لم يعظموا حرمة الدماء ، مع ما عظمها الله ، وما ورد في الشرع من عظيم حرمتها عند رب العالمين؛ فكيف يعظمون حرمة وجه المرأة، إذا رفعت عنها خمارها، أو يقيمون لذلك وزنا أصلا ؟!

ثالثا:

دعوتها على من أساء إلى عثمان رضي الله عنه، رواها ابن أبي الدنيا في "مجابو الدعوة" (29) حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ الْعَجْلَانَ، حَدَّثَنِي مُعَلَّى بْنُ عِيسَى الْوَرَّاقُ، عَنْ شَدَّادٍ الْأَعْمَى، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ مِنْ بَنِي رَاسِبٍ قَالَ:" كُنْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ أَعْمَى يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَمَا أَرَاكَ تَفْعَلُ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ قَالَ: إِنَّ لِي شَأْنًا، آلَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي لَئِنْ قُتِلَ عُثْمَانُ لَنَلْطُمَنَّ حُرَّ وَجْهِهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ الْفُرَافِصَةِ، فَقَالَ لَهَا صَاحِبِي: اكْشِفِي عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: أَلْطُمُ حَرَّ وَجْهِهِ، قَالَتْ: أَمَا تَرْضَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ فِيهِ كَذَا وَكَذَا، فَاسْتَحْى صَاحِبِي فَرَجَعَ، فَقُلْتُ: اكْشِفِي عَنْ وَجْهِهِ، قَالَ: فَذَهَبَتْ تَعْدُو عَلَيَّ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهُ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ، يَبَّسَ اللَّهُ يَدَكَ، وَأَعْمَى بَصَرَكَ، وَلَا غَفَرَ لَكَ ذَنْبًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنَ الْبَابِ حَتَّى يَبِسَتْ يَدِي، وَعَمِيَ بَصَرِي، وَمَا أَرَى اللَّهَ يَغْفِرُ ذَنْبِي".

وهذا أسناد ضعيف يدور على رواة مجاهيل.

وروى ابن أبي الدنيا أيضا (30)، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو: " كَانَ رَجُلٌ قَدْ يَبِسَ وَشَحِبَ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ حَلَفْتُ أَنْ أَلْطُمَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ جِئْتُ فَلَطَمْتُهُ، فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ: أَشَلَّ اللَّهُ يَمِينَكَ، وَصَلَّى وَجْهَكَ النَّارَ، فَقَدْ شَلَّتْ يَمِينِي وَأَنَا أَخَافُ".

فهذا إسناد ظاهره الصحة غير أن متن الخبر يشير إلى وجود انقطاع فيه؛ فطعمة بن عمرو ساق الخبر بصيغة تدل على أنه أُخْبِر عن هذا الرجل ولم يلقه، لكن مثل هذا يستأنس به في الأخبار التاريخية.

رابعا:

وأما جرح يدها دفاعا عن زوجها ، فقد تتابع الإخباريون وأهل التاريخ على ذكره، كما في "تاريخ المدينة" لابن شبة (4 / 1286)، و"تاريخ الطبري" (4 / 391)، لكن لم نقف على رواية صحيحة تقطع بهذا.

وأما قطع رأس عثمان رضي الله عنه، فلم يثبت.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب