الحمد لله.
أولًا :
الإشارة في "اليوم" لليوم الذي سبق ذكره في قوله تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا المائدة/ 3 .
قال "الراغب" في "تفسيره" (4/ 276) : " يعني (اليوم): ما تقدم ذكره في قوله: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وفي قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، وذلك إشارة إلى عام الوداع " ، انتهى .
وقال "ابن الجوزي" في "زاد المسير" (1/ 517) : " قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) قال القاضي أبو يعلى : يجوز أن يريد باليوم : اليوم الذي أنزلت فيه الآية . ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدم ذكره في قوله تعالى : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ )، وفي قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .
وقيل : ليس بيوم معيّن " انتهى .
وقال "الرازي" (11/ 239) : " اعلم أنه تعالى أخبر في هذه الآية المتقدمة أنه أحل الطيبات ، وكان المقصود من ذكره الإخبار عن هذا الحكم ، ثم أعاد ذكره في هذه الآية ، والغرض من ذكره أنه قال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، فبين أنه كما أكمل الدين وأتم النعمة في كل ما يتعلق بالدين ، فكذلك أتم النعمة في كل ما يتعلق بالدنيا ، ومنها إحلال الطيبات ، والغرض من الإعادة : رعاية هذه النكتة "، انتهى .
وانظر : "تفسير القرطبي" (6/ 75) .
ثانيًا :
ليس المراد من ذكر ( اليوم ) أنه كان محرمًا قبل ذلك ، بل المراد : الإعلام به بصورة كلية ، وهو كقوله : وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً الْمَائِدَة/ 3 ، فليس معناه : أنه لم يرضه لهم قبل ذلك .
ومن فوائد إعادةِ ذِكر إحلالِ الطيِّباتِ : " التنبيهُ بإتمامِ النِّعمةِ فيما يَتعلَّق بالدُّنيا ".
"تفسير أبي السعود" (3/ 9)، "تفسير أبي حيان" (4/182) .
وقال "الطاهر" في "التحرير والتنوير" (6/ 119) : يَجِيءُ فِي التَّقْيِيدِ (بِالْيَوْمِ) هُنَا ، مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ) [الْمَائِدَة: 3] وَقَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [الْمَائِدَة: 3] .
عَدَا وَجْهِ تَقْيِيدِ حُصُولِ الْفِعْلِ حَقِيقَةً بِذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَا يَجِيءُ هُنَا ، لِأَنَّ إِحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ أَمْرٌ سَابِقٌ، إِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْإِعْلَامِ بِهِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [الْمَائِدَة: 3] فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ ) بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ قَوْلِهِ ( الْيَوْمَ يَئِسَ ) [الْمَائِدَة: 3] و( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ) [الْمَائِدَة: 3] أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنَّةٌ كُبْرَى ، لِأَنَّ إِلْقَاءَ الْأَحْكَامِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ نِعْمَةٌ فِي التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ " انتهى .
والله أعلم.
تعليق