الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

الفرق بين الإجابة والاستجابة

322330

تاريخ النشر : 20-02-2020

المشاهدات : 23766

السؤال

ما الفرق بين كلمة أجيب كما في الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وفي الآية (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا )، وبين كلمة استجاب كما ذكر في الآية (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ ) وفي الآية (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ؟ وهل هناك فرق بين الإجابة والاستجابة عند دعاء العبد لربه ؟

الجواب

الحمد لله.

الاجابة

أولًا :

قال تعالى :  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي  البقرة /186 .

قال "الثعلبي" في "الكشف والبيان" (4/ 514 - 515) : " أي فليجيبوا لي بالطاعة ، يقال : أجاب ، واستجاب : بمعنى واحد ، قال كعب بن سعد الغنوي :

وداعٍ دعا يا من يجيبُ إلى النَّدى ... فَلَمْ يَسْتَجِبهُ عند ذاك مُجِيبُ

يعني : فليدعوني .

والإجابة في اللغة : الطاعة ، وإعطاء ما سئل ، يقال: أجابت السماء بالمطر ، وأجابت الأرض بالنبات ، كأن الأرض سألت السماء المطرَ، فأعطت ، وسألت السماء الأرض النبات فأعطت.

قال زهير :

وغَيْثٍ من الوَسْمِيِّ حُوٍّ تِلَاعه ... أجابت رَوَابيه النِّجاء هَوَاطِله

يريد أجابت هواطلُه، روابيَه النجاء ، حين سألتها المطر ، فأعطتها ذلك.

فالإجابة من الله -عزَّ وجلَّ- الإعطاء ، ومن العبد الطاعة "، انتهى .

وبنحوه في " التفسير البسيط " (3/ 594) .

وقال "أبو حيان" في "البحر المحيط" (2/ 209) : " ( فليستجيبوا لي ) أي : فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني ، قاله ثعلب ، فيكون : استفعل ، قد جاءت بمعنى الطلب ، كاستغفر ، وهو الكثير فيها : أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة ، كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ، قاله مجاهد ، وأبو عبيدة ، وغيرهما .

ويكون : (استفعل) فيه: بمعنى: (افعل)، وهو كثير في القرآن : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع ) ، ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ) ؛ إلا أن تعديته في القرآن باللام ، وقد جاء في كلام العرب مُعَدَىً بنفسه قال:

وداع دعا يا من يجيب إلى النداء ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي : فلم يجبه ، ومثل ذلك - أعني كون (استفعل) موافق (أفعل) - قولهم : استبل، بمعنى: أبل ، واستحصد الزرع وأحصد ، واستعجل الشيء وأعجل ، واستثاره وأثاره .

ويكون استفعل: موافقة أفعل، متعديا ولازما " ، انتهى .

وقال أيضًا (3/ 476) : " ومعنى استجاب : أجاب ، ويعدى بنفسه وباللام .

وتقدم الكلام في ( فليستجيبوا لي ) .

ونقل تاج القراء أن أجاب عام ، واستجاب خاص في حصول المطلوب ".

وقد وضح هذا الكلام "السمين الحلبي" في "الدر المصون" (2/ 291) وفيه :

" قوله : فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي في الاستفعالِ هنا قولان :

أحدُهما : أنَّه للطلب ، على بابِه ، والمعنى : فَلْيَطْلبُوا إجابتي . قاله ثعلب.

والثاني : أنه بمعنى الإِفعال ، فيكون استفعل ، وأَفْعَل بمعنىً .

وقد جاءَتْ منه ألفاظٌ نحو : أقرَّ واستقرَّ ؛ وأبَلَّ المريضُ واسْتَبَلَّ ، وأحصدَ الزرعُ واستحصد ، واستثار الشيء وأثارَه ، واستعجله وأَعْجَله ، ومنه استجابَهُ وأجَابَهُ .

وإذا كان استفعل بمعنى أَفْعَل ، فقد جاء متعدِّياً بنفسه وبحرف الجرِّ ، إلا أنه لم يَرِدْ في القرآن إلاَّ مُعَدَّىً بحرف الجرِّ ، نحو : فاستجبنا لَهُ [الأنبياء: 84] ، فاستجاب لَهُمْ.

ومِنْ تعدِّيه بنفسِه قوله:

وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى النَّدى ... فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجيبُ

ولقائلٍ أن يقولَ: يَحْتَمِلُ هذا البيتُ أَنْ يكونَ مِمَّا حُذِفَ منه حرفُ الجر ، واللامُ لامُ الأمر .

وفَرَّق الرماني بين أَجاب ، واستجاب: بأنَّ ( استجاب ) لا يكون إلا فيما فيه قبول لِما دُعِي إليه، نحو : فاستجبنا لَهُ [الأنبياء: 76] ، فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران: 195] .

وأمَّا ( أجاب ) فأعمُّ ، لأنه قد يُجيب بالمخالفة ، فَجَعَل بينهما عموماً وخصوصاً "، انتهى .

وقال "الطاهر" في "التحرير والتنوير" (4/ 202) : " وَ (اسْتَجَابَ) بِمَعْنَى أَجَابَ ، عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ ، مِثْلَ : اسْتَوْقَدَ وَاسْتَخْلَصَ.

وَعَنِ الْفَرَّاءِ ، وَعَلِيِّ بْنِ عِيسَى الرَّبَعِيِّ : أَنَّ ( اسْتَجَابَ ) أَخَصُّ مِنْ ( أَجَابَ ) ، لِأَنَّ ( اسْتَجَابَ ) يُقَالُ لِمَنْ قَبِلَ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ ، وَ( أَجَابَ ) أَعَمُّ، فَيُقَالُ لِمَنْ أَجَابَ بِالْقَبُولِ ، وَبِالرَّدِّ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: ( الِاسْتِجَابَةُ ) هِيَ التَّحَرِّي لِلْجَوَابِ ، وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ ، لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ عَنِ ( الْإِجَابَةِ ) لِقِلَّةِ انْفِكَاكِهَا مِنْهَا .

وَيُقَالُ: اسْتَجَابَ لَهُ ، وَاسْتَجَابَهُ ، فَعُدِّيَ فِي الْآيَةِ بِاللَّامِ ، كَمَا قَالُوا : حَمِدَ لَهُ ، وَشَكَرَ لَهُ ، وَيُعَدَّى بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِثْلُهُمَا .

قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الْغَنَوِيُّ، يَرْثِي قَرِيبًا لَهُ:

وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ "، انتهى .

ثانيًا :

واعلم أن "الإجابة والاستجابة" تفسر بقبول الدعاء ، وإيتاء السؤْل . وكل ما في القرآن من الفعل استجاب ، ومضارعه ، وأمره : فهو بمعنى إيتاء السؤل إمدادًا بالمطلوب .

انظر : "المعجم الاشتقاقي المؤصل" (1/ 269 - 270).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب