السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم تشبيك الأصابع بعد الصلاة

322850

تاريخ النشر : 21-04-2020

المشاهدات : 23376

السؤال

وجدت في جواب السؤال : (36801) أنه لا بأس بتشبيك الأصابع بعد الصلاة، لكن وجدت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ، ثم خرج يريد الصلاة فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته، فلا تقولوا هكذا -يعني يشبك بين أصابعه-) صححه الألباني على شرط الشيخين، "الإرواء "(٢/١٠١) فآمل التوضيح .

الجواب

الحمد لله.

النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة ،  ومقدماتها ، ولواحقها : ورد فيه حديث من طريق سعيد المقبري ، ورواه عنه جماعة من الرواة.

رواه عنه محمد ابن عجلان ، لكن الرواة عنه ساقوا الحديث عنه باضطراب واختلاف شديد في إسناده.

قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى:

"وأما ابن عجلان فقد وهم في الإسناد وخلط فيه، فمرة يقول: عن أبي هريرة، ومرة يرسله، ومرة يقول: عن سعيد، عن كعب " انتهى من "صحيح ابن خزيمة" (1 / 277).

ورواه ابن أبي ذئب وسعد بن إسحاق عن المقبري باختلاف عنهما أيضا.

ورواه عن المقبري أيضا أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن وقد ضعّف، وفي إسناده من هو مبهم.

وروي عن المقبري عن أبي ثمامة، وهو مجهول.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" ورواه جماعة، عن المقبري، عن أبي ثمامة، وهو مجهول لا يعرف إِلا بهذا الحديث، وفيه نكارة " انتهى من"المهذب في اختصار السنن الكبير" (3 / 1160).

لكن ورد من رواية الثقة عن المقبري، حيث رواه الدارمي (1446)، وابن خزيمة (446)، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ.

وكذا ابن خزيمة (447)، والحاكم (1 / 206) من طريق عبد الوارث بن سعيد.

وكل من مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وعبد الوارث بن سعيد رواه عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَلَا تَقُولُوا هَكَذَا - يَعْنِي: يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - .

وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ووافقه الذهبي.

ومع الاختلاف في أسانيد هذا الحديث فقد وقع أيضا اختلاف في لفظه، فوردت بعض ألفاظه من دون جملة: " حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ".

وقد ورد ما هو أصح ، ويدل على جواز التشبيك بعد انقضاء الصلاة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ. وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو اليَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟

قَالَ:  لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ  .

فَقَالَ:  أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟ 

فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ"رواه البخاري (482).

والقاعدة عند أهل العلم أن يجمع بين النصوص قدر الإمكان، والذي يقتضيه الجمع بين النصوص: أن يكون التشبيك منهيا عنه حال التوجه إلى الصلاة وانتظارها، فإذا انقضت جاز له التشبيك.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقد ذكر أبو بكر الإسماعيلي في "صحيحه المخرج على صحيح البخاري": أن حديث كعب بن عجرة وما في معناه ، لا ينافي حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري في هذا الباب، وأنه يمكن الجمع بينهما، بأنه :

إنما يكره التشبيك لمن كان في صلاة، أو حكمه حكم من كان في صلاة، كمن يمشي إلى المسجد ، أو يجلس فيه لانتظار الصلاة.

فأما من قام من الصلاة ، وانصرف منها، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سلم من ركعتين وقام إلى الخشبة المعترضة، فإنه صار منصرفا من الصلاة ، لا منتظرا لها؛ فلا يضره التشبيك حينئذ " انتهى من"فتح الباري" (3 / 423).

وقال علاء الدين مغلطاي رحمه الله تعالى:

" فإن قيل: فقد ورد في الصحيح في يوم ذي اليدين، فوضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه ؟

قيل له: هذا كان بعد فراغه من الصلاة ؛ فلا معارضة، والله أعلم.

وأما حديث ابن عمر أو ابن عمرو عند البخاري:( شبك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصابعه)، وحديث أبي موسى من عنده أيضا مرفوعا: ( إن المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه ": فخارج الصلاة " انتهى من"شرح سنن ابن ماجه" (5 / 1621).

وقال الشيخ ابن عثيمن رحمه الله تعالى:

" تشبيك الأصابع لمن ذهب إلى الصلاة، أو جلس في المسجد ينتظر الصلاة، أو كان في الصلاة : منهي عنه، وليس من الأدب.

وأما فيما سوى ذلك : فلا بأس به، فيجوز أن يشبك الإنسان أصابعه بعد الصلاة ، لأن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك حين سلم في إحدى صلاتي العشي ، إما الظهر وإما العصر قبل أن يتم صلاته ، ثم تقدم إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها، وشبك بين أصابعه.

وما يظنه بعض الناس من أن تشبيك الأصابع محظور كل وقت فهو خطأ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم )" انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (4 / 340).

والنظر يقتضي هذا الجمع؛ لأن التشبيك نهي عنه لمصلحة الصلاة، فيتقيد النهي بها وبما قبلها من الاستعداد إليها.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها، وقد يفعله بعض الناس عبثا، وبعضهم ليفرقع أصابعه عند ما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم ، فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره؛ فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها ، لا يلائم شيء منها الصلاة ، ولا يشاكل حال المصلي " انتهى من"معالم السنن" (1 / 162).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب