الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

تقييد الفوائد عند قراءة الكتب، وما الطريقة التي ينصح بها؟

323150

تاريخ النشر : 29-08-2024

المشاهدات : 947

السؤال

ما هي كيفية تقييد الفوائد عند قراءة الكتب الشرعية؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إن من أهم ثمرات قراءة الكتب تقييد الفوائد التي يقف عليها القارئ ، وقد ذكر كثير من أهل العلم أن قراءة الكتب لا يتحقق منها الفائدة المرجوه إلا بتقييد الفوائد المستفادة منها .

وقد قيل: " العلم صيدً والكتابة قيد " .

فكثيرًا ما يقرأ الإنسان كتابًا أو كلامًا يعجبه ، ويظن أنه قد علق بذاكرته ، فإذا هو في الغد قد ضاع منه هذا العلم ، وضاع معه مفتاحه ، فانتهى إلى حيرة في استعادته واسترجاعه .

لذلك قال الإمام النووي - وهو يرشد الطالب إلى تعليق النفائس والغرائب مما يراه في المطالعة أو يسمعه من شيخه- :

" ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍّ كانت، بل يُبادِر إلى كتابتها، ثم يواظب على مطالعة ما كتبه..." انتهى من "المجموع" (1 /39).

وقال –أيضًا-: " ولا يؤخِّر تحصيل فائدة – وإن قَلَّت - إذا تمكَّن منها ، وإنْ أمِنَ حصولها بعد ساعة ؛ لأن للتأخيرِ آفاتٌ ، ولأنه في الزمن الثاني يُحَصِّل غيرَها " انتهى من "المجموع" (1 /38).

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في الفوائد التي ينبغي تقييدها : " الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن ، أو التي يندر ذكرها والتعرض لها ، أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها ، هذه اقتنصها ، قيدها بالكتابة ، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ، ولا حاجة أن أقيدها ، فإنك سرعان ما تنسى ، وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد ، ثم بعد فترة وجيزة يتذكرها ولا يجدها ، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو يتجدد وقوعها.

وأحسن ما رأيت في مثل هذا كتاب " بدائع الفوائد " للعلامة ابن القيم ، فيه بدائع العلوم ، ما لا تكاد تجده في كتاب آخر ، فهو جامع في كل فن ، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيد ذلك ، ولهذا تجد فيه من علم العقائد ، والفقه ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، والبلاغة " انتهى من "شرح حلية طالب العلم" (ص60).

وقال الشيخ بكر أبوزيد - رحمه الله- : " ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب) ، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع ، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج ، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها ، ومن أجل فوائدها أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي " انتهى من "حلية طالب العلم" (ص129).

وقد كان الأئمة والعلماء يحرصون على اقتناص الفوائد من الكتب أشد الحرص...

فهذا الإمام الشافعي يحكي عنه صاحبُه الحُمَيْديُّ – لمَّا كانا بمصر - أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسْرج ، فيصعد إليه فإذا قِرْطاس ودَوَاة ، فأقول : مَهْ يا أبا عبدالله ! فيقول : تفكّرت في معنى حديث – أو في مسألة - فخِفْت أن يذهب عَلَيَّ ، فأمرت بالمصباح وكتبته . انتهى من "مناقب الشافعي" للبيهقي (1/ 243).  

وكان الإمام البخاري –رحمه الله- ( جَبَلُ الحِفْظ ) يستيقظ مراتٍ كثيرة في الليل ليُقَيِّد الفوائد ، قال راويته الفَرَبري : " كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلةٍ ، فأحصيت عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكر أشياءَ يُعلِّقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (12/ 404).

وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الزركشي صاحب "البحر المحيط" ، " أنه كان لا يتردد إلى أحد إلا إلى سوق الكتب، وإذا حضره لا يشتري شيئًا، وإنما يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره ، ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه ، ثم يرجع فينقله إلَى تصانيفه " انتهى من "النكت على صحيح البخاري" (1 /42).

ثانيًا:

أما كيفية تقييد الفوائد ؛ فقد ذكر العلماء أكثر من طريقة لذلك ، منها :

1- تقييد الفوائد على هوامش الصفحات ، ثم نقلها بعد ذلك إلى دفتر خارجي .

2- تقييدها على بطاقات ومن ثم يتم تصنيفها ، وهذه الطريقه أفضل ما تكون عندما يكون الهدف كتابة بحث أو رسالة علمية .

3-  تقييدها على غلاف الكتاب من الداخل ثم نقلها إلى دفتر خارجي مرتبة على الموضوعات .

4- تقييدها في كراسٍ وترتيبها على الموضوعات .

5- من الممكن تقييدها وحفظها في الحاسوب على البرامج المختصة بذلك والذي تتولى فهرستها وترتيبها آليًا ، فتعم فائدتها ويسهل الرجوع لها ، ولكن يفضل طباعتها على أوراق لضمان عدم فقدانها .

قال الشيخ بكر أبوزيد -رحمه الله- :

" اجعل لك مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها ، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك فحسن ، ثم تنقل ما يجتمع لك بعد في مذكرة ، مرتباً له على الموضوعات ، مقيدًا رأس المسألة ، واسم الكتاب ، ورقم الصفحة والمجلد ، ثم اكتب على ما قيدته " نقل " ، حتى لا يختلط بما لم ينقل ، كما تكتب : " بلغ صفحة كذا " فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة " انتهى من "حلية طالب العلم" (ص175).

وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان :

" تقييد الفوائد التي تسمعها : على الكتاب ، أو في دفتر خارجي ، وهذه الفوائد إذا حرص الإنسان على تقييدها ، وعلى مراجعتها مرة بعد مرة ، فإنها بإذن الله تعالى تكون عنده ملكة في الكلام ، وفي التحضير ، وفي إزالة الإشكال ، وقل مثل هذا في القراءة " .

وقال : " فإذا قرأت كتابًا - سواء على شيخ أو قراءة حرة - فاحرص كل الحرص على أن تقيد ما تسمع أو تقرأ من الفوائد ، أو ما يمر عليك من الشوارد والفرائد ، فإذا أتممت قراءة الكتب ثم تصفحت تلك الفوائد ، ستشعر أنك جمعت كنزًا عظيمًا ، خاصة إذا جعلتها منظمة بحيث تحكم تبويبها .

فإذا قرأت كتابين أو ثلاثة ، ثم علقت على جنباتها ما قرأت من الفوائد ، ثم لخصتها ونظمتها وجعلتها في دفتر فيكون لديك كثير من الفوائد المنتوعة : في المعتقد ، وفي الأصول ، وفي الجرح والتعديل ، وفي النحو … وهلم جرا .

واجعل لك دفترًا شاملاً مقسمًا ، بحيث يكون فيه : قسم للفوائد الأصولية ، وقسم للفوائد النحوية ، وقسم للجرح والتعديل … وهلم جرا ، فسترى أنك تستطيع أن تحضر دروساً ومحاضرات ، وتكتب بحوثاً في كل فن على حدة خاصة أن هذه الفوائد قل ما تكون موجودة في كتاب مجموع ، وأنت قد وجدتها في كتب متفرقة .

وأزيدك أيضًا فائدة تجعل العلم لا يتفرق من ذهنك ، ويبقى ميسرًا إذا أردت تَذَكَّرهً : فمثلاً إذا قرأت كتابًا في الرؤى والأحلام ، ثم قرأت كتباً أخرى متنوعة ، ومن هذه الكتب استخرجت فوائد تتعلق بالرؤى والأحلام ، فاحرص كل الحرص على أن تفرغ هذه الفوائد من جميع هذه الكتب بأرقام الصفحات فقط ، على الغلاف الداخلي لكتاب الرؤى والأحلام ، فتقول : انظر الاعتصام (1/121) انظر إعلام الموقعين (2/…) إلخ .

ولن تعرف قيمة هذا الحصر إلا إذا أردت أن تقرا قراءة مستقلة في هذا الموضوع ، فترى أنك جمعت متفرقات ، وألفت بين مختلفات في موضوع واحد ، وإذا رتب الكلام في الموضوع فترى أنك أحطت بأوله وآخره . وهذا الكلام مجرب ومقروء ومشاهد ، كذلك إذا سمعت فائدة خارجية فاحرص على أن تضيفها للكتاب ، ومع كثرة الفوائد الخارجية يخرج لك كتاب آخر " انتهى من "معالم في طريق طلب العلم" (ص59).

وينصح لمزيد من الفائدة بقراءة الكتب الآتية :

1- حلية طالب العلم ، للشيخ بكر أبو زيد مع شرحها للشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله -.

2- معالم في طريق طلب العلم ، للشيخ عبد العزيز السدحان .

3- المشوق إلى القراءة وطلب العلم ، للشيخ علي العمران .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب