الحمد لله.
أولا:
الأصل ذم المسألة وتحريمها إلا لضرورة.
روى البخاري (1475)، ومسلم (1040) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ .
وروى الترمذي (650)، وأبو داود (1626)، والنسائي (2592)، وابن ماجه (1840) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ .
ولا تحل مسألة الناس إلا في حالات ضيقة؛ لما ما روى مسلم (1044) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ : "تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا .
فلا يجوز لمن لم يكن بهذه الحاجة أن يسأل الناس، لا لمشروع التخرج ولا لغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " مسألة المخلوق محرمة في الأصل وإنما أبيحت للضرورة، وفي النهي عنها أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد" انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 182).
ثانيا:
إذا أصر المشرف على طلب الدعم، وخشيت ضررا بعدم الاستجابة له، فإنك تكتبين حقيقة المشروع بما يظهر منه عدم الاحتياج إلى دعم، فإن جاءك مال، فأعطيه لمن لديه مشروع لا يجد مالا لإنجازه.
ولو أجبرت على التصريح بالحاجة، فتنوين أخذ المال لإعطائه لمن يحتاج، وقد رخص أحمد رحمه الله في السؤال للغير، في إحدى الروايتين.
قال ابن مفلح رحمه الله: " وإن سأل لرجلٍ محتاج في صدقة أو حج أو غزو، فنقل محمد بن داود [أي عن الإمام أحمد]: لا يعجبني أن يتكلم لنفسه؛ فكيف لغيره! التعريض أعجب إلي.
ونقل المروذي وجماعة: لا، ولكن يعرّض، ثم ذكر حديث الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وحث على الصدقة ولم يسأل، زاد في رواية محمد بن حرب: ربما سأل رجلا فمنعه، فيكون في نفسه عليه.
ونقل المروذي أنه قال لسائل: ليس هذا عليك. ولم يرخص له أن يسأل.
ونقل حرب وغير واحد: أنه رخص في ذلك. وقال صاحب المحرر: هل يكره أن يسأل للمحتاج أم لا؟ على روايتين" انتهى من "الفروع" (4/ 318).
وقال المرداوي في تصحيح الفروع: " قوله: وإن سأل لرجل محتاج في صدقة أو حج أو غزو، فنقل محمد بن داود: لا يعجبني أن يتكلم لنفسه، فكيف لغيره؟ التعريض أعجب إلي.
ونقل المروذي وجماعة: لا، ولكن يعرض ...
وقال صاحب المحرر: هل يكره أن يسأل للمحتاج أم لا؟ على روايتين، انتهى كلامهما.
إحداهما: لا يكره.
قلت: الصواب إن علم حاجة من طلب لأجله، أو غلب على ظنه ذلك: لم يكره السؤال له , والتعريض لا يكفي , خصوصا في هذه الأزمنة , لا سيما إن كان المحتاج لا يقدر على الطلب، من الحياء أو غيره , والله أعلم .
والرواية الثانية: يكره ، ولكن يعرّض" انتهى.
والحاصل:
أنك إذا كنت مجبرة على طلب الدعم، وخشيت الضرر من عدم تقديم الطلب للجهة المانحة: فلا حرج عليك في تقديمه، فإن أمكن أن تكتبي واقع الحال، فهو المتعين عليك.
وإن أجبرت على صيغة مخالفة للواقع، فنرجو ألا يكون عليك حرج، والإثم على من أجبرك.
وإن أتاك شيء من الدعم، فقدميه لزملائك الذين يحتاجون إليه في مشاريعهم.
وأما إن كنت لا تستلمين الدعم، وإنما يستلمه المتسلطون عليه، الذين يجبرونك على تقديم الطلب، فلا عليك شيء في تصرفهم فيه، وهم يتحملون بدء الأمر ومنتهاه، فيتحملون وزر طلب المال من غير حله، ووضعه في غير حقه.
والله أعلم.
تعليق