الحمد لله.
أولًا:
من هو الإمام القسطلاني؟
"القسطلاني" هو الإمام أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن الزين أحمد بن الجمال محمد بن الصفي عمد بن المجد حسين، القسطلاني الأصل، المصري الشافعي.
ولد سنة (851 هـ) إحدى وخمسين وثمانمائة، وتوفي سنة (923 هـ) ثلاث وعشرين وتسعمائة.
من مشايخه: أخذ القراءات عن الشمس بن الحمصاني إمام جامع طولون، والسراج عمر بن قاسم الأنصاري، وغيرهما.
وأخذ أيضا عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيره.
من تلامذته: بدر الدين الغزي وغيره.
كلام العلماء في الإمام القسطلاني
• الضوء: "كان قانعًا متعففًا، جيد القراءة للقرآن والحديث والخطابة، شجي الصوت بها، مشارك في الفضائل، متواضع متودد لطيف العشرة".
• الكواكب السائرة: "قال العلائي: إنه كان فاضلًا محصلًا، دينًا عفيفًا، متقللًا من عشرة الناس إلا في المطالعة والتأليف والإقراء والعبادة.
وقال الشعراوي: كان من أحسن الناس وجهًا... يقرأ بالأربع عشرة رواية، وكان صوته بالقرآن يُبكي القاسي، إذا قرأ في المحراب تساقط الناس من الخشوع والبكاء قال وأقام عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فحصل له جذب فصنف المواهب اللدنية لما صحا... انتهى، وكان له اعتقاد تام في الصوفية وأكثر في المواهب من الاستشهاد بكلام سيّد وفا "وكان يميل إلى الغلو في رفعة قدر النبي - صلى الله عليه وسلم -".
مصنفات الإمام القسطلاني
من مصنفات القسطلاني: "العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية" في التجويد، و"إرشاد الساري على صحيح البخاري"، و"الكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز".
انظر في ترجمته: "الضوء اللامع" (2/ 103) وفيه وفاته (897)، "الشذرات" (10/ 169)، "الكواكب السائرة" (1/ 126)، "البدر الطالع" (1/ 102) "إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري" (10/ 420)، "جهود علماء الحنفية" (2/ 699) "التنبيهات السنية على الهفوات في كتاب المواهب اللدنية" للدكتور محمّد بن عبد الرحمن الخميس دار الصميعي للنشر والتوزيع -المملكة العربية السعودية- ط 1 (1416 هـ).
وقد نقلناها من "الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة" (1/ 369 - 370).
ثانيًا:
منهج الإمام القسطلاني في الأسماء والصفات
كان الإمام "القسطلاني"، رحمه الله، يذهب في تفسيره للأسماء والصفات مذهب الأشعرية.
ومن أمثلة ذلك: تأويله للاستواء بالاستيلاء في كتابه "إرشاد السارى في شرح صحيح البخاري"، حيث يقول:
ثُمَّ اسْتَوَى: استولى عَلَى الْعَرْشِ، أضاف الاستيلاء إلى العرش، وإن كان سبحانه مستوليًا على جميع المخلوقات؛ لأن العرش أعظمها وأعلاها.
وتفسير العرش بالسرير، والاستواء بالاستقرار، كما يقوله المشبهة: باطل؛ لأنه تعالى كان قبل العرش، ولا مكان، وهو الآن كما كان؛ لأن التغير من صفات الأكوان".
ومع أشعرية الإمام "القسطلاني" إلا أن هذا لا يعني عدم أخذ العلم عنه، فإن "أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون، ولا ينقصون قدرهم، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل، والتأول له، والترحم عليه، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه.
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
"ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه، وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه، وبدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه." انتهى من "سير أعلام النبلاء" (14/376).
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة، كالأسماء والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟
الشيخ: مثل مَن؟
السائل: مثل: الزمخشري، والزركشي، وغيرهما.
الشيخ: الزركشي في ماذا؟
السائل: في باب الأسماء والصفات.
فأجاب:
"على كل حال، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة، كالمعتزلة مثلاً، ومنهم الزمخشري، فالزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه "الكشاف" في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات، لكنه من حيث البلاغة، والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيراً، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً.
لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني، والنووي رحمهما الله، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ " فتح الباري" ؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته - ولا أَتَأَلَّى على الله - قد قبلها: ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس، لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب "رياض الصالحين" يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته، وفي مسجده، فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق "فتح الباري"، و"شرح صحيح مسلم"؟! سبحان الله ! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال، وبلسان المقال:
أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا
من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله، فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين، وأمِّنوا على ذلك " انتهى من"لقاءات الباب المفتوح" (43/السؤال رقم 9) ".
وللفائدة ينظر جواب السؤال موقف علمائنا من الحافظين ابن حجر والنووي
وجواب السؤال رقم: (291372).
والله أعلم.
تعليق