الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم التلفيق في كفارة اليمين بين الإطعام والإكساء؟

327183

تاريخ النشر : 22-01-2024

المشاهدات : 1512

السؤال

كفارة اليمين هي: عتق رقبة، أو إطعام عشر مساكين، أو كسوتهم، وإذا لم يستطع فصوم ثلاث أيام، وسؤالي هو: هل يجوز إطعام بعض المساكين، وكسوة بعضهم، يعني مثلا: إطعام 7 فقراء، وكسوة 3 ليكون المجموع 10؟ أم يلزم إذا أطعم فقيرا فإنه يطعم الباقين، ليطعم 10، ولا يجوز الكسوة مع الإطعام أو إطعام مع كسوة؟

الجواب

الحمد لله.

كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ لقول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة/89.

فإن أطعم بعض المساكين، وكسا البعض الآخر، كأن يطعم سبعة، ويكسو ثلاثة، مثلا :

فقد اختلف في ذلك أهل العلم:

فذهب الحنفية والحنابلة، إلى أن ذلك جائز، وقد أجزأه عن كفارته:

لكن للحنفية تفصيل: فإن ملّك الفقراء الطعام، جاز هذا التلفيق دون شرط.

وأما إن أباح لهم الطعام ومكنهم منه، دون تمليك، فإنه يشترط أن يكون الطعام أرخص من الكسوة.

قال السرخسي رحمه الله في "المبسوط" (8/151): " ولو أطعم خمسة مساكين، وكسا خمسة مساكين أجزأه ذلك من الطعام، إن كان الطعام أرخص من الكسوة، وإن كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزئ ما لا يجزئ كل واحد منهما عن نفسه... ثم مراده من هذه المسألة إذا أطعم خمسة مساكين بطريق الإباحة والتمكين، دون التمليك، فإن التمليك فوق التمكين، وإذا كان الطعام أرخص من الكسوة أمكن إكمال التمكين بالتمليك، فتجوز الكسوة مكان الطعام، وإن كانت الكسوة أرخص لا يمكن إقامة الطعام مقام الكسوة؛ لأن التمكين دون التمليك، وفي الكسوة التمليك معتبر فلا يمكن إقامة الكسوة مقام الطعام؛ لأنه ليس فيهما وفاء بقيمة الطعام.

فأما إذا ملّك الطعام خمسة مساكين، وكسا خمسة مساكين، فإنه يجوز على اعتبار أنه إن كان الطعام أرخص تقام الكسوة مقام الطعام، وإن كانت الكسوة أرخص، يقام الطعام مقام الكسوة لوجود التمليك فيها" انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله: " (ويجزئه إن أطعم خمسة مساكين، وكسا خمسة).

وجملته: أنه إذا أطعم بعض المساكين، وكسا الباقين، بحيث يستوفي العدد، أجزأه، في قول إمامنا، والثوري، وأصحاب الرأي.

وقال الشافعي: لا يجزئه؛ لقول الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم [المائدة: 89].

فوجه الدلالة من وجهين؛ أحدهما: أنه جعل الكفارة أحد هذه الخصال الثلاثة، ولم يأت بواحد منها.

الثاني، أن اقتصاره على هذه الخصال الثلاث: دليل على انحصار التكفير فيها، وما ذكرتموه خصلة رابعة.

ولأنه نوع من التكفير، فلم يجزئه تبعيضه، كالعتق، ولأنه لفق الكفارة من نوعين، فأشبه ما لو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم.

ولنا: أنه أخرج من المنصوص عليه بِعِدَّة العددِ الواجب، فأجزأ؛ كما لو أخرجه من جنس واحد. ولأن كل واحد من النوعين يقوم مقام صاحبه في جميع العدد، فقام مقامه في بعضه، كالكفارتين، وكالتيمم لما قام مقام الماء في البدن كله في الجنابة، جاز في بعضه، في طهارة الحدث؛ فيما إذا كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا، وفيما إذا وجد من الماء ما يكفي بعض بدنه.

ولأن معنى الطعام والكسوة متقارب؛ إذ القصد منهما سد الخلة، ودفع الحاجة، وقد استويا في العدد، واعتبار المسكنة في المدفوع إليه.

وتنوعُهما من حيث كونهما في الإطعام سدا لجوعه، وفي الكسوة ستر العورة، لا يمنع الإجزاء في الكفارة الملفقة منهما، كما لو كان أحد الفقيرين محتاجا إلى ستر عورته، والآخر إلى الاستدفاء. ولأنه قد خرج عن عهدة الذين أطعمهم بالإطعام، ويخرج عن عهدة الذين كساهم بالكسوة؛ بدليل أنه لا يلزمه بالاتفاق أكثر من إطعام مَن بقي، ولا كسوة أكثر ممن بقي، وإذا خرج عن عهدة عشرة مساكين، وجب أن يجزئه، كما لو اتفق النوع.

وأما الآية، فإنها تدل بمعناها على ما ذكرناه، فإنها دلت على أنه مخير في كل فقير بين أن يطعمه أو يكسوه، وهذا يقتضي ما ذكرناه، ويصير كما يخير في الصيد الحرمي بين أن يفديه بالنظير، أو يقوّم النظير بدراهم، فيشتري بها طعاما يتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما، فلو صام عن بعض الأمداد، وأطعم بعضا، أجزأ كذلك هاهنا.

وكذلك الدية، لما كان مخيرا بين إخراج ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، لو أعطى البعض ذهبا، والبعض دراهم، جاز. وفارق ما إذا أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم؛ لأن تنصيف العتق يخل بالآخر " انتهى.

ومنع من ذلك المالكية والشافعية، والظاهرية أيضا:

قال ابن عبد البر رحمه الله في "الكافي" (1/ 453): " ولا يجزئه إن أطعم خمسة مساكين، ويكسو خمسة، ولا بد من جنس واحد في الكفارة.

وقد روي عن مالك جواز ذلك، والأول تحصيل مذهبه، وهو الأشهر عنه" انتهى.

وينظر: "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي" (2/ 133).

وقال المطيعي رحمه الله في "المجموع" (18/123): " لا يجزئه أن يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة؛ لقوله تعالى: (فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) فوجه الدلالة من وجهين

(أحدهما) أنه جعل الكفارة احدى هذه الخصال الثلاث، ولم يأت بواحدة منها.

(الثاني) أن اقتصاره على هذه الخصال الثلاث دليل على انحصار التكفير فيها.

وما ذكره القائلون بجواز المزج بينهما من أصحاب أحمد والثوري وأصحاب الرأي من إطعام خمسة وكسوة خمسة: إنما يشكّل خصلة رابعة، وما ذكروه إنما هو تلفيق للكفارة من نوعين، فأشبه ما لو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم، ولأنه نوع من التكفير فلم يجزئه تبعيضه" انتهى.

ولا شك أن الأحوط والأبرأ لذمة المكلف ألا يلفق بين خصال الكفارة، بل إما أن يطعم، أو يكسو؛ فليس في المسألة دليل بين، وهو في التلفيق على خطر من أن تجزئه كفارته؛ والخروج من الخلاف في مثل ذلك: حسن، متأكد.

وأما من فعله سابقا، ظانا أن ذلك يجزئه؛ فنرجو ألا يكون عليه حرج، وقد صح عمله على قول معتبر، في مسألة اجتهادية.

وأولى من ذلك: أن يكون قد أفتاه بصحة ذلك من يتبع مذهب القائلين بالجواز.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب