الحمد لله.
العبودية كانت منتشرة قبل الإسلام بأبشع الصور
كانت العبودية منتشرة في أمم الأرض قبل الإسلام ، وكانت تمارس بأبشع الصور، ولم يكن عندهم فرق بين أن يؤخذ العبيد في حرب مشروعة ، أو أن يؤخذوا في عدوان ظالم ، أو احتيال على أخذ الحر غدراً أو بسبب دين عجز عن أدائه أو بغير ذلك .
فلما جاء الإسلام حرم بيع الحر واسترقاقه، وجعل الرق فيما أُخذ عن طريق الجهاد المشروع ، معاملة بالمثل وردًّا على الأعداء الذين يسترقون الأسرى وغيرهم من المسلمين .
حث الإسلام على عتق الرقيق
ثم إن الإسلام حث أهله على العتق، ورغبهم فيه، وجعل فيه الأجر والثواب الجزيل .
ولم يكن هناك تقصد للسود بعينهم لأجل أن يكونوا رقيقًا، بل إن الأمر كان بحسب ما يسبيه المسلمون من الكفار، في المعارك والغزوات التي كانوا يخوضونها ضدهم .
ولذلك كان من العبيد من هو أبيض ومن هو أسود ومن هو بينهما في اللون؛ إلا أن الذي يظهر أن الأبيض كان مرغوبًا عن الأسود ، وكذلك صاحب المكانة أو النسب في قومه قبل السبي كان مفضلا على غيره؛ كما كانت الأمة الجميلة أو صاحبة الشرف في قومها مفضلة ومرغوبة على غيرها بطبيعة الحال .
وفي صحيح مسلم (1365) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ بنت حيي - رضي الله عنها - من دحية الكلبي بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ " .
قال السيوطي في "شرح سنن ابن ماجه" (ص: 164) : " لِأَن صَفِيَّة كَانَت سيدتهم ، وَبنت رئيسهم فَعوضهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبعة أرؤس " انتهى.
وقد يُشترى العبد بعبدين وأكثر، لكونه مسلمًا ، أو يرغب في الإسلام ، فيرغب من يشتريه في إعانته على ذلك أو في عتقه .
ومن ذلك ما جاء في الحديث المشار إليه في السؤال ، والذي أخرجه مسلم (1602) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : " جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِعْنِيهِ ، فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ، ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ : أَعَبْدٌ هُوَ؟ "
قال القاضي عياض : " ظاهره أن مولاه كان مسلمًا ، وكان النبى سرّحه ، فاستحقه مولاه بصحة ملكه له ، ثم أراد - عليه السلام - بما جبل عليه من مكارم الأخلاق ألا يرده ، ولا ينقض ما عقد له ، فاشتراه من مولاه .
ويدل أن مولاه مسلم دَفْعه له العبدين ، وإلا فقد بايع - عليه السلام - من نزل إليه من عبيد أهل الطائف وغيرهم ، ولم يصرفهم على مواليهم.
وشرائه العبد بالعبدين أصل في هذا الأسلوب ..." انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 301).
وقال النووي : " هذا محمول على أن سيده كان مسلما ، ولهذا باعه بالعبدين الأسودين . والظاهر أنهما كانا مسلمين ، ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر .
ويحتمل أنه كان كافرا ، أو أنها كانا كافرين ، ولا بد من ثبوت ملكه للعبد الذي بايع على الهجرة إما ببينة ، وإما بتصديق العبد قبل إقراره بالحرية .
وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والإحسان العام ، فإنه كره أن يرد ذلك العبد خائبا بما قصده من الهجرة وملازمة الصحبة ، فاشتراه ليتم له ما أراد " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (11/ 39).
وبناء عليه فثمة أمران :
الأول : أن أسباب الرق لا علاقة لها باللون أو العرق ، وإنما كان بحسب ما يسبيه المسلمون من الكفار .
الثاني : أنه كان هناك تفاوت بين العبيد من حيث القيمة بحسب الدين واللون والصفات والشكل ، وهذا أمر عائد إلى الناس، وما يرغبون فيه ، ولا علاقة للشرع بوضع ثمن ، أو تحديد قيمة لأسود أو أبيض؛ بل هذا راجع إلى ما يتراضى عليه الناس، ويرغبون فيه.
والله أعلم.
تعليق