الحمد لله.
أولًا :
ننبه السائل الكريم إلى نصيحة مهمة ، وهي : ألا يتعرض للشبهات قبل أن يتسلح بجملة وافرة من العلوم الشرعية حتى لا يزل ولا يضل .
فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين".
ومن هجم على الرد على هؤلاء من غير أن يكون ريان من علم الشريعة ، قادرا على الإبانة عما عنده من العلم والهدى، عارفا بمآخذ النظر والخلاف، قادرا على الذب عن الحق الذي معه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس كل من عرف الحق - إما بضرورة أو بنظر - أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه ، فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع ، وما به يعرفه به غيره نوع ، وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به ، فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة ، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به" ، انتهى .
انظر : "مجموع الفتاوى" ، لابن تيمية : (4/ 13) ، (5/ 33، 544)، و"درء التعارض": (1/ 357)، و"الصفدية": (2/ 160) .
وقد قال "ابن القيم" : " وقال لي شيخُ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلتُ أوردُ عليه إيرادًا بعد إيراد-: "لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السِّفِنْجَة، فيتشرَّبها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المُصْمَتة، تمرُّ الشبهاتُ بظاهرها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلا فإذا أَشْرَبتَ قلبَك كلَّ شبهةٍ تمرُّ عليك صار مقرًّا للشبهات"، أو كما قال؛ فما أعلمُ أني انتفعتُ بوصيَّةٍ في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك " انتهى .
انظر : "مفتاح دار السعادة" (1/ 395).
ثانيًا :
ليس هذا الثناء من كلام من وصفهم "صاحبك" بالسلفيين ، بل هو من ثناء الإمام " كمال الدين ابن الزملكاني "، وهو " قاضي قضاة الشافعية المتوفى بالقاهرة سنة 727هـ" ، قال "ابن كثير" : " وأثنى عليه وعلى فضائله جماعة من علماء عصره، مثل القاضي الخويي، وابن دقيق العيد، وابن النحاس، وابن الزملكاني، وغيرهم.
ووجدت بخط ابن الزملكاني أنه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين، وكتب على مصنف له هذه الأبيات:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
وهذا الثناء عليه وكان عمره نحو الثلاثين سنة "انتهى من "البداية والنهاية" (18/ 298).
و" ابن الزملكاني "، هو الإمام " النحوي ، اللغوي ، المفسر المقرئ : محمّد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري الدمشقي كمال الدين ، ابن الزملكاني ، أبو المعالي ، الأنصاري ، السماكي ، الشافعي.
ولد : سنة (667 هـ) سبع وستين وستمائة .
من مشايخه : تاج الدين بن الفركاح ، وبدر الدين بن مالك وغيرهما .
ومن تلامذته : الذهبي وغيره .
كلام العلماء فيه : قال "الذهبي" : "قرأ على الشيوخ ، ونظر في الرجال والعلل شيئًا ، وكان غرب القراءة سريعها ، وكان من بقايا المجتهدين ، ومن أذكياء أهل زمانه ، درس وأفتى وصنف وتخرج به الأصحاب " .
وقال : " كان بصيرًا بالمذهب وأصوله ، قوي العربية ، ذكيًا فطنًا ، فقيه النفس ، له اليد البيضاء في النظم والنثر ، وكان يضرب بذكائه المثل ، تخرج به الأصحاب" .
وفاته: (727 هـ) سبع وعشرين وسبعمائة.
ومن مصنفاته: صنف رسالة في الرد على ابن تيمية في الطلاق وأخرى في الرد عليه في الزيارة. وعلق على المنهاج.
انظر : "تاريخ الإسلام" (14/ 711)، "الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة" (3/ 2272) .
ثالثًا :
الأصل أن يُحمل كلام العلماء على أحسن محامله ، ويمكننا حمل كلام "ابن الزملكاني" على محمل حسن ، فنقول :
أن مقصوده المبالغة في الثناء عليه ، بأن صفاته جلت عن الحصر لكثرتها ، لا أن مقصوده أنه لا يمكن حصرها بحال ، والباقي لا غلو فيه ، فإنه آية من آيات الله كسائر مخلوقاته ، آية في علمه ، وحفظه ، ونبوغه ، وتعبده .
رابعًا :
لو أن أحدًا - كائنًا من كان - غلا في إنسان - أي إنسان - فإن كلامه مردود عليه ، ولا يقبل ، وقديمًا قيل : من أعظم أودية الباطل الغلو في الأفاضل .
فلا تقبل غلو أحد في أحد ، لا في شيخ الإسلام ابن تيمية أو غيره من العلماء رحمة الله عليهم.
والله أعلم.
تعليق