الحمد لله.
أولًا :
أفضل الألوان في اللباس
الأصل في الثياب الحل ، فللمسلم أن يلبس ما شاء من الألوان.
وأفضل الألوان التي يلبسها الرجل هي البياض ؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ رواه أبو داود (3380)، والترمذي (915).
وللاستزادة ينظر جواب سؤال رقم :(72878).
وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم الأخضر من الثياب، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ"، رواه الترمذي: (2812)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ" وصححه الألباني.
حكم لبس الأخضر من الثياب
وقد اختلف العلماء في حكم لباس الأخضر:
الأول: إباحة لبس الأخضر، وسائر الألوان.
قال ابن رسلان : "(فرأيت عليه بردين أخضرين): فهو من لباس أهل الجنة، ومن أنفع الألوان للأبصار هي والأسود.
وفيه: جواز لبس سائر الألوان" انتهى من "شرح سنن أبي داود" (16/284).
الثاني : أن لبس الأخضر على الاستحباب .
قال الشوكاني عن الحديث السابق: " وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْأَخْضَرِ؛ لِأَنَّهُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَنْفَعِ الْأَلْوَانِ لِلْأَبْصَارِ، وَمِنْ أَجْمَلِهَا فِي أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ" انتهى من "نيل الأوطار" (2/117).
وقال القاري: " ... الْأَشْيَاء مُبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهَا، فَإِذَا اخْتَارَ شَيْئًا مِنْهَا يَلْبَسُهُ؛ لَا شَكَّ فِي إِفَادَةِ الِاسْتِحْبَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/2788).
وقال "الحافظ" في "الفتح" (10/282): "قال ابن بطال: الثياب الخضر من لباس الجنة، وكفى بذلك شرفًا لها.
قلت: وأخرج أبو داود من حديث أبي رِمْثَة - بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة – ( أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين".
وممن استحب لبس الأخضر من الفقهاء : الحنفية ، قال ابن عابدين : وَلُبْسُ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ.
"مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (2/532)،" حاشية ابن عابدين" (6/351).
وراجع للفائدة: جواب السؤال رقم:(171834)، ورقم: (72878).
وانظر للتوسع: "لباس الرجل أحكامه وضوابطه"(1/202).
والأقرب في ذلك: أن يراعى عرف الناس في مكان الشخص، فإن كان لبس الثوب الأخضر: مقبولا، متعارفا بين الناس، كغيره من الألوان، فلا بأس بلبسه، ولو اختاره على غيره من الألوان المقبولة، فهو حسن عند من يرى استحباب اختياره من أهل العلم.
وإن كان لبس الأخضر مما يوقع في شهرة، لبعده عن متعارف أهل البلد، فإنه ينهى عنه لأجل ذلك.
ومثل ذلك، لو كان لبس الأخضر، أو لبس ثياب خضر على هيئة معينة، من شعار أهل البدع؛ فإنه ينهى عن موافقة أهل البدع فيما صار شعارا لهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر. ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضًا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه؛ ففي كون هذا تشبهًا نظر؛ لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا، ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.
... وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين.
ولهذا أيضا كره أحمد لباس أشياء كانت شعار الظلمة في وقته من السواد ونحوه وكره هو وغيره تغميض العين في الصلاة وقال: هو من فعل اليهود" .
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 271-277)، باختصار.
وانظر: "الألوان استعمالاتها و دلالاتها عند أهل البدع"، د. بدر العواد، مجلة العلوم الشرعية، جامعة القصيم، المجلد (7)، العدد (4)، (1745-1752).
هذا، مع أن لبس الأخضر من الثياب هو في أصله من المباحات، وليس استحبابه على غيره مما ينبنى على أصل ظاهر وثيق. فلم يثبت الحث على لبسه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام؛ وأحوال أهل الجنة ولباسهم: مما لا يصح قياس حال أهل الدنيا ولباسهم عليه؛ وإلا، فالحرير من لباس أهل الجنة، ونعيمهم، وهو محرم على الرجال في الدنيا.
وينظر : الألوان استعمالاتها ودلالاتها عند أهل البدع ، د. بدر العواد ، مجلة العلوم الشرعية ، جامعة القصيم، المجلد (7)، العدد (4)، (1768-1769).
ثانيًا :
سبب تفضيل الصوفية للون الأخضر في اللباس
للصوفية تعلقٌ بالألوان ويرون أن لها مدلولا روحيا!
ومما حصل من التعلق باللون الأخضر؛ فمن مزاعمهم:
1- أن الحق سبحانه طلب من الناس أن يتأملوا في اللون الأخضر ؛ لأنه يدعو إلى تذكر الخضرة الدائمة في الجنة!
2- وأن اللون الأخضر أحب الألوان لله تعالى، فهو لون موصوف بالجمال، ولون لطيف يوحي بالحياة الأبدية ، وهو لون المكرمين من لدن الحق تعالى.
3- ويرون أن اللون الأخضر هو لون النفس الراضية.
وأن من كشف الله لون مرتبته، وكان اللون الأخضر، فهي بشرى من الله له.
انظر: "دلالة اللون في القرآن والفكر الصوفي"، ضاري مظهر صالح (29-51).
وما ذكر في هذا الباب، كله: مما لا دليل عليه، ولا يعرف من قال به من أهل العلم المرجوع إليهم، وأئمة الفقهاء؛ فضلا عن أن يكون ذلك مما عرف للسلف الصالح.
ومن المهم التنبيه على أن الصوفية لم يتفقوا على لون واحد، بل اختلفوا في ذلك، ولكل طريقة لونها المميز لها عن غيرها، واللون الأخضر للطريقة القادرية.
وهو اللون الأقدم في الاستعمال، والأكثر في الشهرة والانتشار.
ويمكن مراجعة بعض ما ترتب على استحباب اللون الأخضر عند المتصوفة بما في كتاب: "دلالة اللون في القرآن والفكر الصوفي"، ضاري مظهر صالح(29-51).
ثالثًا :
حكم تقبيل الصوفية للأوشحة
واعلم أن تقبيل الأوشحة ونحوها تختلف باختلاف الطرق الصوفية، بل إن اللباس نفسه يختلف باختلاف الطريقة، وكل هذا من البدع المحدثة.
فإنه لا يجوز التقرب إلى الله بعبادة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مستفاد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع، والبدعة هي التقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه ، ولهذا قال حذيفة رضي الله عنه: "كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها".
وفي مثل هذا قال الإمام مالك رحمه الله: "فما لم يكن يومئذ دينًا، لا يكون اليوم دينًا".
أي : ما لم يكن ديناً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتقرب به إلى الله، لا يكون ديناً بعد ذلك.
انظر الجواب رقم: (128530)، (292106).
والله أعلم
تعليق