الحمد لله.
أولا:
حديث: (إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ صَاحِبِ كُلِّ بِدْعَةٍ).
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/281) وغيره، عن هَارُون بْن مُوسَى الْفَرْوِيّ قَالَ: أخبرنا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هارون بن موسى وهو الفروي، قال النسائي وتبعه الحافظ في "التقريب": لا بأس به .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال "الصحيح" غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة.
وقال المنذري في " الترغيب ": رواه الطبراني وإسناده حسن. " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (4 / 154).
وهناك من ذهب إلى تضعيفه؛ لأن راويه هارون بن موسى الفروي لم يبلغ من الإتقان وسعة الرواية ما يقبل منه مثل هذا التفرّد بمثل هذا الخبر.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" هارون بن موسى الفروى، شيخ صدوق من شيوخ النسائي.
روى الساجي، وابن ناجية عنه، عن أبي ضمرة، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن الله يحجب التوبة عن كل صاحب بدعة ).
هذا منكر " انتهى من "ميزان الاعتدال" (4 / 287).
وعلى القول بصحة الخبر، فهو ليس محمولا على أن كل صاحب بدعة هو يائس من رحمة الله تعالى، وسيموت على بدعته؛ لأن نصوص القرآن والسنة الثابتة المحكمة، تنص على أن أيّ مذنب، بأي ذنب كان؛ من فسوق أو بدعة أو شرك: هو مأمور بالسعي إلى التوبة، منهي عن القنوط واليأس ، وأن الله تعالى يقبل توبة من تاب : قال الله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وإنما معنى هذا الخبر على نحو ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، حيث قال:
" ومعنى قولهم إن البدعة لا يتاب منها: أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله؛ قد زُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسنا، فهو لا يتوب ما دام يراه حسنا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله؛ فما دام يرى فعله حسنا، وهو سيء في نفس الأمر: فإنه لا يتوب.
ولكن التوبة منه ممكنة، وواقعة؛ بأن يهديه الله ويرشده، حتى يتبين له الحق، كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 9 - 10).
وقال رحمه الله تعالى:
" ما روي عن طائفة أنهم قالوا: إن الله حجر التوبة عن كل صاحب بدعة، بمعنى أنه لا يتوب منها؛ لأنه يحسب أنه على هدى.
ولو تاب لتاب عليه، كما يتوب على الكافر.
ومن قال: إنه لا يقبل توبة مبتدع مطلقا، فقد غلط غلطا منكرا.
ومن قال: ما أذن الله لصاحب بدعة في توبة؛ فمعناه: ما دام مبتدعا، يراها حسنة؛ لا يتوب منها. فأما إذا أراه الله أنها قبيحة، فإنه يتوب منها، كما يرى الكافر أنه على ضلال؛ وإلا فمعلوم أن كثيرا ممن كان على بدعة تبين له ضلالها، وتاب الله عليه منها، وهؤلاء لا يحصيهم إلا الله.
والخوارج: لما أُرسل إليهم ابن عباس فناظرهم، رجع منهم نصفهم، أو نحوه، وتابوا، وتاب منهم آخرون على يد عمر بن عبد العزيز وغيره، منهم من سمع العلم فتاب، وهذا كثير " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 / 684 – 685).
ثانيا:
إذا وقع المسلم في شيء من البدع الكفرية، وهو جاهل، بأن كان متأولًا يظن أنها خير، أو كان مقلدا لبعض من يفعل تلك البدع، ويستحسنها، ويروجها على الناس، أو لغير ذلك من الأعذار ، فالصحيح من أقوال العلماء أنه لا يكفر بذلك، ويكون معذورا .
وسبق في عدة أجوبة بيان مسألة "العذر بالجهل" وبينا بعض أدلتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، وأقوال العلماء .
ينظر الأسئلة رقم: (228033 ) (10065) ، (111362) ، (153830) ، (215338) .
وعلى هذا ، فما دمت جاهلا بحكم هذه البدع، وأنها منافية لدين الله، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تقم عندك الحجة على بطلانها : فنكاحك صحيح ، ولا حاجة إلى تجديده .
وهذا إذا كان النكاح تم قبل التوبة، أما إذا كان تم بعد التوبة ، فالأمر أوضح أن النكاح صحيح ، لأن التوبة من جميع الذنوب والبدع مقبولة وتهدم ما قبلها من الذنوب والخطايا .
والله أعلم.
تعليق