الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 - 19 ديسمبر 2024
العربية

ما الفرق بين الحضانة والوصاية على الأيتام؟

340599

تاريخ النشر : 15-01-2024

المشاهدات : 2338

السؤال

توفى شخص، وترك ثلاث بنات، وابن صغير عنده 7 سنوات، وعندهم عم ليس بشقيق من الأب، يعني عمهم من الأم، وخالهم وابن العمة الشقيقة، فمن يكون الوصي عليهم؟ ولمتى؟ علما بأني قرأت أسئلة كثيرة، ولكن لم تبين لي هل ابن العمة يجوز أن يكون وصي أم ﻷ؟ وما هي مهام الوصية؟ وكيفية التعامل مع مرات خاله وبناتها، إذا كان هو ليس من محارهم؟

الجواب

الحمد لله.

ينبغي التفريق بين الحضانة، والوصاية.

فإيواء اليتيم وضمه والقيام على تربيته وتعليمه، هذه هي الحضانة.

والأصل فيها عند موت الأب أن تكون من اختصاص الأم، وهذا باتفاق العلماء .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" (والأم أحق بكفالة الطفل والمعتوه، إذا طلقت) وجملته أن الزوجين إذا افترقا، ولهما ولد طفل أو معتوه، فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها، ذكرا كان أو أنثى، وهذا قول يحيى الأنصاري، والزهري، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولا نعلم أحدا خالفهم " انتهى من"المغني" (11/413).

فإن تزوجت انتقلت إلى من هو أحق بحضانته.

عن عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي؟

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي رواه أبو داود (2276)، قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبى!

قلت: وإنما هو حسن فقط للخلاف المعروف فى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " انتهى. "إرواء الغليل" (7/244).

والأحق بعد الأم في غياب الأب، أم أبيهم، أو أم أمهم ثم غيرهن من الأقارب الأقرب فالأقرب.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" اختلف العلماء في الترتيب في الحضانة على أقوال متعددة، ولكنها كلها ليس لها أصل يعتمد عليه، لذلك ذهب شيخ الإسلام رحمه الله: إلى تقديم الأقرب مطلقا، سواء كان الأب، أو الأم، أو من جهة الأب، أو من جهة الأم.

فإن تساويا قدمت الأنثى.

فإن كانا ذكرين أو أنثيين؛ فإنه يقرع بينهما في جهة واحدة، وإلا تقدم جهة الأبوة...

هذا الضابط هو الذي رجحه ابن القيم رحمه الله، وقال: إنه أقرب الضوابط.

فعلى هذا: أم، وجد: تقدم الأم؛ لأنها أقرب.

أب، وجدة (أم أم): فيقدم الأب؛ لأنه أقرب.

أم وأب: تقدم الأم؛ لأنهما تساويا في القرب، فتقدم الأنثى.

جد وجدة: تقدم الجدة. الخال والخالة: تقدم الخالة. وعلى هذا فقس.

جدة من جهة الأم وجدة من جهة الأب: فتقدم الجدة من جهة الأب، على قاعدة شيخ الإسلام رحمه الله " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 535 – 536).

وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (107472).

وإذا كانت حضانة الولد في بيت نساؤه لسن من محارمه ؛ فإنه يجوز لهن أن يظهرن أمامه بالثياب التي يظهرن بها عادة في شغل البيت أمام إخوانهن؛ إلا إذا بلغ الطفل سنا يفهم فيه عورات النساء، فإنهن في هذه الحال يحتجبن عنه.

قال الله تعالى:

... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ... النور/31.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )، يعني: لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن، فإذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك، فلا بأس بدخوله على النساء. فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه، بحيث يعرف ذلك ويَدريه، ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمَكَّن من الدخول على النساء " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/49).


أما الوصاية:

فهي ما يقوم به الأب عند وفاته من توصية شخص معيّن للقيام بشؤون أولاده وأموالهم لحفظها وتنميتها لهم.

فتعيين مثل هذا الوصي من اختصاص الأب عند موته باتفاق العلماء .

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (7/209):

" أما إن كان الإيصاء برعاية الأولاد الصغار ومن في حكمهم، كالمجانين والمعتوهين، والنظر في أموالهم بحفظها والتصرف فيها بما ينفعهم، فلا خلاف بين الفقهاء في أن تولية الوصي تكون للأب؛ لأن للأب - عندهم جميعا - الولاية على أولاده الصغار ومن في حكمهم في حال حياته، فيكون له الحق في إقامة خليفة عنه في الولاية عليهم بعد وفاته " انتهى.

فإن توفي الأب ولم يعين وصيا، فيتولى شؤون أموال هؤلاء الأيتام أولى الناس بهم والأنصح لهم؛ لأن الغاية من الوصاية حماية شؤون الأولاد والقيام على أموالهم بما هو الأصلح والأحسن، فيراعى من هو أهل لهذه المهمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها ... وقد أجمع المسلمون على معنى هذا ؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف ، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ). ولم يقل إلا بالتي هي حسنة.

وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَا عٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْوَلَدُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ). أخرجاه في الصحيحين..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (28 / 250 – 252).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قوله: ( ووليهم حال الحجر الأب ثم وصيه ثم الحاكم )، تنحصر ولاية هؤلاء في ثلاثة، الأب، والمراد به الأب الأدنى الذي خرجوا من صلبه، ثم وصي الأب، وهو من أوصى إليه بعد الموت في النظر على هؤلاء الأولاد الصغار، ثم الحاكم أي: القاضي...

هذا ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وهو المذهب.

والقول الثاني في المسألة: أن الولاية تكون لأولى الناس به، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره. وهذا هو الحق ـ إن شاء الله تعالى ـ

وعليه؛ فالجد أو الأب يكون وليا لأولاد ابنه، والأخ الشقيق وليا لأخيه الصغير، والأم إذا عدم العصبة تكون ولية لابنها.

نعم؛ إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والحب والعطف، فحينئذ نلجأ إلى الحاكم ليولي من هو أولى " انتهى من "الشرح الممتع" (9 / 305 - 306).

 

وبناء على هذا يمكن للأم أن تتولى مسؤولية أموال أولادها، إن كانت لها الأهلية والقدرة.

فإذا كانت لا تستطيع تحمل هذه الأمانة: فإن اتفقوا جميعا على أن أحد المذكورين هو من يتولى الوصاية على الأيتام؛ وإن كان ابن العمة: فهو ذاك.

وإن لم يتفقوا، ورأت الأم أن "خالهم" أنفع لهم، وأنصح: كان هو الوصي، وهو أولى من غيره، لقربه من أمهم، وتمكنه من الدخول عليها، وعلى أبنائها من غير حرج، ولا مشقة.

وإن لم يصلح الخال، أو لم يقبل: كان العم لأم هو الوصي، وليتحرز في التعامل مع أمهم، ما يتحرز الأجنبي، وأشد.

وتنتهي مهمة الوصي أو الولي ببلوغ هؤلاء الأولاد وحصول الرشد لهم.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (7 / 219):

" انتهاء العمل الذي عهد إلى الوصي القيام به...

إن كان هذا العمل هو النظر في شئون الأولاد الصغار وأموالهم، انتهت هذه الوصاية ببلوغ الصغير عاقلا رشيدا، بحيث يؤتمن في إدارة أمواله، والتصرف فيها، ولم يحدد جمهور الفقهاء لهذا الرشد سنا معينة يحكم بزوال الوصاية عن القاصر متى بلغها، بل هو موكول إلى ظهوره بالفعل، وذلك عن طريق الاختبار والتجربة، فإذا دلت التجربة على تحقق الرشد حكم برشده، وسلمت إليه أمواله باتفاق الفقهاء لقول الله تعالى:

ابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ .

وإذا بلغ غير رشيد وكان عاقلا لا تكمل أهليته، ولا ترتفع الولاية أو الوصاية عنه في ماله، بل تبقى أمواله تحت يد وليه أو وصيه حتى يثبت رشده " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب