الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

معنى حديث "من أغضبك، يا رسول الله؟ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ "

346232

تاريخ النشر : 15-03-2021

المشاهدات : 9953

السؤال

سمعت نصا مرعبا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها، وكان غاضبا، فقالت: من أغضبك دخل النار، فلم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ذلك، أي أن ما قالته حق. سؤالي هو: إذا كان هذا النص صحيحا فكيف أتصرف؛ لأن أغلب الظن أن كل معصية تغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن بشر لا ننتهي من المعاصي، ولو تبنا من معصية نفعل غيرها؟

الحمد لله.

حديث مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ خَمْسٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ. قَالَ:  أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ، فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا  رواه مسلم (1211).

فالظاهر: أن هذا دعاء من عائشة رضي الله عنها.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

"وقولها: (من أغضبك أدخله الله النار)، كأنها سبق لها: أن الذي يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو منافق، فدعت عليه بذلك." انتهى من"المفهم" (3 / 316).

وقال شرف الدين الطيبي، رحمه الله: 

" قوله: (من أغضبك): (من) يجوز أن تكون شرطية، وجوابه: (أدخله الله). 

وأن تكون استفهامية علي سبيل الإنكار. وقوله: (أدخله الله) على هذا: لا يكون إلا الدعاء، بخلاف الأول، فإنه يحتمل الدعاء والإخبار. 

(مح): وإنما غضب صلى الله عليه وسلم لهتك حرمة الشرع، وترددهم في قبول حكمه، وتوقفهم في أمره، وقد قال الله تعالي: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً

وفيه دلالة على استحباب الغضب عند هتك حرمة الدين، وجواز الدعاء على المخالف." انتهى من "الكاشف عن حقائق السنن" (8/1975). 

وعلى القول بأن قول أم المؤمنين على سبيل الخبر: أن من أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، أدخله الله النار؛ وأن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم إقرار لها؛ فيكون هذا الحديث كسائر أحاديث الوعيد على المعاصي التي ليست بكفر، ففاعلها تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه.

عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ  فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ" رواه البخاري (18)، ومسلم (1709).

وإن عاقب الله تعالى المسلم صاحب المعاصي بالنار، فلا يخلده فيها كالكافرين. قال النووي رحمه الله تعالى:

"واعلم! أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف؛ أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال:

فإن كان سالما من المعاصي؛ كالصغير، والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي، إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم، أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه.

وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة، فهو في مشيئة الله تعالى؛ فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا، وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى، ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل.

هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي." انتهى من"شرح صحيح مسلم" (1 / 217).

والحاصل:

أن هذا الحديث، إن كان على سبيل الخبر فهو من أحاديث الوعيد، فمن فعل ذلك، فهو تحت مشيئة الله تعالى، كسائر ما ورد في أصحاب المعاصي من الوعيد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب