الحمد لله.
الذي يُفهم من بعض نصوص القرآن الكريم أن الشيطان كان على علم بأن آدم عليه السلام خلق للعيش في الأرض، فيحتمل أنه علم ذلك من كلام الملائكة، أو علمه حين أخبر الله تعالى الملائكة بذلك .
كما في قول الله تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة /30.
وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره لقول الله تعالى :
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) الحجر/39–40.
قال رحمه الله تعالى:
" وضمائر: ( لَهُمْ )، ( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ ) و ( مِنْهُمُ )، لبني آدم، لأنه قد علم علما ألقي في وجدانه بأن آدم عليه السلام ستكون له ذرية، أو اكتسب ذلك من أخبار العالم العلوي أيام كان من أهله وملئه " انتهى من "التحرير والتنوير" (14/50).
ثم سياق قصة آدم عليه السلام يدل على أن الشيطان طرد قبل أن يأمر الله تعالى آدم عليه السلام بالإقامة في الجنة.
قال الله تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) الاعراف/11 – 19.
قال ابن عطية رحمه الله تعالى:
" ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم اسكن " انتهى من "المحرر الوجيز" (1/126).
وإذا كان هذا، فالشيطان في سياق طلبه من الله تعالى تأخير أجله أثناء طرده، نطق بما يدل على علمه بنزول آدم عليه السلام إلى الأرض، كما في قوله تعالى :
(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر/36–39.
هذا هو الظاهر من سياق القصة في القرآن الكريم.
وإلا؛ فالمسألة برأسها لا تحتاج إلى شغل بال، هل كان اللعين يعلم، أو لا يعلم؛ فمثل ذلك هو من فضول المعارف، وبحث في أمر لا يضر جهله، ولا ينفع العلم به في قليل ولا كثير.
إنما الذي ينفع علمه، وينبغي على العبد أن يوليه عنايته: أن إبليس هو عدو لعباد الله الصالحين، فليتخذه عدوا، وليحذر من طاعته، ووسوسته، وليجتنب خطواته، ولا يغفل عن حراسة دينه من عدوه؛ مخافة أن يوافق من العبد غفلة، فيستزله إلى طريقه، ويغويه.
والله أعلم.
تعليق