الحمد لله.
أولا:
فضل اللغة العربية وأهميتها
اللغة العربية أفضل اللغات، لاختيار الله تعالى لها لدينه ووحيه الخاتم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
"وأولى الناس بالفضل في اللسان: مَنْ لسانُه لسانُ النبي.
ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كلّ لسان تَبَع للسانه، وكلّ أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه: قال الله: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ). وقال: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)..." انتهى من"الرسالة" (ص 46).
فلغة العرب من شعائر هذا الدين الكريم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء، أو أكثرهم: يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر: أن يُدعى الله أو يذكر بغير العربية..." انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 519).
وقال رحمه الله تعالى: "فإن نفس اللغة العربية من الدين..." انتهى من"اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 527).
ثانيا:
حكم المتسهزئ باللغة العربية
المستهزئ بلغة العرب له حالان:
الحالة الأولى:
أن تصدر منه هذه السخرية وهو عالم بمكانتها من الدين، فلا شك أنه قد ارتكب أمرا محرما.
وقد يعظم التحريم ويصل إلى درجة يُخشى منها على إيمانه، إن امتد ذلك التنقص من لغة العرب، والسخرية منه، إلى أعظم الكلام الذي بلغة العرب، القرآن الكريم، أو السنة النبوية، أو الأحكام الشرعية. وفي مثل هذا الاستهزاء بالدين وأحكامه وشعائره قال الله تعالى:
(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/64 – 66.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
"لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة" انتهى من"أحكام القرآن" (2 / 976).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام، والذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحا فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ في القلب" انتهى من"الصارم المسلول" (3 / 700).
وطالع للأهمية ضابط ما يعد استهزاءً بالدين من التصرفات والأقوال في جواب السؤال رقم: (163627).
الحالة الثانية:
أن يكون الساخر من العربية غافلا عن علاقتها بدين الله تعالى، ومكانتها في شرع الإسلام، فهذا قد أساء وأخطأ، لكن ذلك لا مدخل له في الكفر ولا النفاق؛ وإن كان الذي ينبغي عليه أن يكف عن هذا الباطل من القول. قال الله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج/30.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
"أمر في هذه الآية الكريمة باجتناب قول الزور، وهو الكذب والباطل... وكل قول مائل عن الحق فهو زور، لأن أصل المادة التي هي الزور من الازورار بمعنى الميل، والاعوجاج" انتهى من"أضواء البيان"(5 / 750).
والله أعلم.
تعليق