الحمد لله.
أولا:
يجب على المصلي أن يسجد على سبعة أعضاء.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ، وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ رواه البخاري (812)، ومسلم (490).
قال ابن رشد رحمه الله تعالى:
" اتفق العلماء على أن السجود يكون على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ).
واختلفوا فيمن سجد على وجهه، ونقصه السجودُ على عضو من تلك الأعضاء؛ هل تبطل صلاته أم لا؟
فقال قوم: لا تبطل صلاته؛ لأن اسم السجود إنما يتناول الوجه فقط.
وقال قوم: تبطل إن لم يسجد على السبعة الأعضاء؛ للحديث الثابت" انتهى من "بداية المجتهد" (1 / 338 - 339).
ثانيا:
إذا رفع المصلي رأسه من السجود لعذر ، فإنه يعود للسجود ولا حرج عليه ، ويدل لذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ؟!
قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ؛ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ.
رواه النسائي (1141)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/371).
قال الشيخ محمد بن علي الأتيوبي رحمه الله تعالى:
" في فوائده:...
ومنها: عدم بطلان صلاة المأموم برفع رأسه قبل الإمام، ظنا منه أنه رفع، أو لغير ذلك، إذا عاد إلى المتابعة " انتهى من "ذخيرة العقبى" (14/39).
وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" في الصلاة وأثناء السجود مما يدعو إلى إطالة السجود، نقوم بعض الأحيان برفع الرأس أو تحريكه يمينا وشمالا عن موضع السجود، للاستراحة ونحو ذلك من الأسباب، فهل يعتبر ذلك نهاية لتلك السجدة، ولا يجوز بعدها الاستمرار بالسجود؟ أم كيف توجهون الناس؟
فأجاب: هذا العمل مكروه، لا ينبغي؛ لأن هذا عبث، ولكن يسجد طاقته، ولا يطول تطويلا يلجئه إلى هذا العمل، يسجد، يأتي بالتسبيح ثلاث مرات أو خمس مرات، يدعو بما تيسر ثم يرفع، لا يكلف نفسه، وإذا كان إمام كذلك لا يشق على الناس.
أما أنه يرفع رأسه ويومئ به هذا مكروه، وهو من العبث الذي لا ينبغي، وإذا كثر قد يبطل الصلاة، إذا كثر وتوالى.
لكن بكل حال هو مكروه، ولا ينبغي، والسجود باق، فإذا رفع رأسه قليلا، ثم وضعه: هذا من كمال السجود، لا يبطل السجود، لكن لا ينبغي هذا العمل، بل يسجد ما يسر الله له، ثم يرفع رفعا تاما، ويأتي بالسجدة الثانية " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/310).
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟
الجواب:
الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود -أي: ما زال ساجدا وهو رافع أحد الأعضاء- فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة.
وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة، مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها؛ فأرجو ألا يكون عليه بأس " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (221/ 18 ترقيم الشاملة).
وبناء على هذا ؛ فارتداد الوجه عند السجود لا يبطل الصلاة، ولا يكون تكرارا للسجود ، وما دام يحصل بدون قصد، فلا حرج على المصلي وصلاته صحيحة .
لكن ينبغي التنبه إلى أن سبب ذلك قد يكون اندفاع المصلي إلى السجود بشدة ، وهذا يخالف الطمأنينة والسكينة المطلوبة في الصلاة ، وإذا كان المصلي مأمورا بالسكينة والوقار وهو في طريقه إلى الصلاة ، فأمره بذلك في الصلاة نفسها من باب أولى .
فينبغي للمصلي أن يتمهل في صلاته، ويكون انتقاله من ركن إلى ركن بهدوء وسكينة ، فذلك أكمل لصلاته .
والله أعلم.
تعليق