الحمد لله.
طرق حديث (وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كل صلاة.)
هذا الحديث له عدة طرق، بيانها كما يلي:
الطريق الأول: وهو أصح الطرق.
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (7111)، من طريق حرملة بن يحيى، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (2658)، من طريق هارون بن معروف، كلاهما عن ابن وهب، قال أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:" لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ ، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ. قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟ فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كل صلاة .
ورجال إسناده: أئمة ثقات، إلا حميد بن زياد، أبا صخر.
قال الهيثمي، رحمه الله: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة." انتهى من "مجمع الزوائد" (9/193).
وقد حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2254)، وحسنه أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على "صحيح ابن حبان" (16/48).
الطريق الثاني:
أخرجه الإسماعيلي في "معجمه" (183)، من طريق أحمد بن عبيد بن ناصح، قال حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: " جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأُمُّ رُومَانَ حَتَّى دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَسْتَغْفِرُ لِعَائِشَةَ وَنَحْنُ شُهُودٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنْبًا ، فَلَمَّا رَأَى سُرُورَهُمَا بِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا زَالَتْ هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أُمَّتِي مِنْ لَدُنْ بَعَثَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يَوْمِي هَذَا .
وإسناده ضعيف.
فيه "عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي"، وهو ثقة، إلا أنه اختلط، وأبو داود الطيالسي ممن سمع منه بعد الاختلاط كما في "الكواكب النيرات" (ص288).
وفيه كذلك "أحمد بن عبيد بن ناصح"، له مناكير، لذا قال فيه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (462): "صويلح الحديث" انتهى.
الطريق الثالث:
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (32285)، من طريق ابن نمير، والحاكم في "المستدرك" (6738)، من طريق سفيان، كلاهما، عَنْ مُوسَىِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا جَاءَتْ هِيَ وَأَبَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ بِدَعْوَةٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً ، فَعَجِبَ أَبَوَاهَا لِحُسْنِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، فَقَالَ: تَعْجَبَانِ هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ .
وإسناده فيه انقطاع.
قال أبو حاتم كما في "المراسيل" (956):" أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا مِنْ عَائِشَةَ " انتهى.
وقد قال الحافظ الذهبي عن هذا الحديث: " منكر، على جودة إسناده". انظر: "مختصر استدراك الذهبي على المستدرك" (5/2278).
الطريق الرابع:
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (1458)، من طرق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال، حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: " أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: يَا عُوَيْشُ، مَا لِي أَرَاكِ قَدْ أَشْرَقَ وَجْهُكِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا لِيَ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ دَعَوْتَ لِي فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ لَهَا خَطِيئَةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَأَنَا أَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ لِجَمِيعِ أُمَّتِي .
فيه " عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي "، ضعيف الحديث، لكنه لم يصل إلى حدِّ الترك.
ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (4/115)، فقال:" وقال ابْن معين: هُوَ ضعيف، ولا يسقط حديثه، وقال أحمد: لا أكتب حديثه، هُوَ منكر الحديث ليس بشيء، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلا يُحْتَجُّ بِهِ، وقال أَبُو زرعة: ليس بقوي، وقال أحمد بْن صالح: هُوَ ممن يُحتج بِهِ، وقال صالح جزرة: كان رجلا صالحا، وهو منكر الحديث، وقال الترمذي: رأيت البخاري يقوّي أمره، ويقول: هُوَ مقارب الحديث "انتهى.
ثم هو قد رواه مسلم بن يسار بلاغا، ففيه انقطاع.
ومما سبق يتبين أن الطريق الأول للحديث حسنه الشيخ الألباني وغيره، وباقي الطرق فيها ضعف.
والله أعلم.
تعليق