الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم حصول المطلقة على نصف البيت بحكم المحكمة الوضعية

353231

تاريخ النشر : 21-02-2022

المشاهدات : 3197

السؤال

طلّق والدي أمّي ثلاث طلقات، والآن ذهبت إلى المحامين لإنهاء أوراق الطلاق، أثناء تواجدهم عند المحامي قالوا: إنّ أمّي يمكنها الحصول على المنزل الذي نعيش فيه الآن، وهو باسم أبي، كانت أمّي تدفع الرهن العقاري ـ أي أقساط الدين للبنك ـ، وتحافظ على المنزل طوال الـ 18 عامًا الماضية بالمال الذي اكتسبته من المساعدات، فلم يكن والدي يفعل الكثير، قال المحامي: إنّ أمي يمكنها الحصول على المنزل بسبب حصة 50/50 التي يمتلكونها؛ لأنهما كانا زوجا وزوجة من قبل وفقا لقانون انجلترا، ستدفع أمّي للمحامي مقابل القيام بالأعمال الورقية، ثمّ ستُرفع القضية إلى المحكمة، وستستمع المحكمة إلى أراء أمي وأبي، وستقرّر المحكمة من يحصل على المنزل، وإذا اختار القاضي أمي فستحصل على المنزل، وسيضطر أبي إلى المغادرة، وسيتعيّن على أمّي أيضا أن تدفع لأبي نصف الـ 50٪ نقدا، وإذا حصل أبي على المنزل، ستغادر أمي، وسيتعيّن عليه دفع 50٪ من المال لأمي، وإذا اختارت المحكمة أمّي، فهل بإمكانها أن تأخذ المنزل؟ وهل يتعارض مع أيّ أحكام إسلامية، إذا كانت الإجابة بنعم لأيّ واحد منها، وهل يجوز لها أن تعطي والدي حصة 50٪ من المال؟ وإذا تم اختيار أبي، فهل يجوز لأمي أن تأخذ 50٪ نقدًا؟

الجواب

الحمد لله.

لا حق للمطلقة في أخذ بيت الزوجية شرعا، بل البيت إن كان ملك الزوج لم يخرج عن ملكه بالطلاق، ولم تستحقه المرأة لكونها طلقت.

لكن إن كانت أمك قد دفعت ثمن البيت كاملا (أقساط البنك) من المساعدات التي كانت تأتي من الدولة  لها بخصوصها، فالبيت لها، فإن دفعت نصف الأقساط مثلا، فهي شريكة لأبيك ولها نصف البيت، وهكذا يكون لها نصيب في البيت، بحسب ما دفعت من مالها في ثمنه .

لكن إذا كانت تتبرع بدفع الأقساط له، فليس لها الرجوع الآن في هبتها وتبرعها؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي(2132)، والنسائي(3690)، وابن ماجه(2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا ، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

واستثنى جماعة من الفقهاء: الهبةَ التي يراد بها العوض، لأنها ليست تبرعا محضا، فإذا لم يحصل للواهب عوضه - من جهة الموهوب له -، جاز له الرجوع في هبته.

وعلى ذلك يقال:

إذا كانت تبرعت بشيء من ثمن البيت، ليكون هذا البيت هو بيت الزوجية، ولا تخرج منه إلا برضاها ، فطلقها: جاز لها الرجوع.

ويدل لذلك ما روى مالك في "الموطأ" (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ : فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا . وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ : فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ ؛ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".

قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 55).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا المنصوصُ : جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ: يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته، ويحل بحله ...

ولو كانت الهدية قبل العقد ، وقد وعدوه بالنكاح ، فزوجوا غيره : رجع بها. والنقد المقدم محسوب من الصداق، وإن لم يكتب في الصداق، إذا تواطئوا عليه " أي إذا تعارفوا على أنه من الصداق (المهر). انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 472).

ويمكن تلخيص الأحوال المحتملة هنا كما يلي:

1-إذا كانت المساعدات تأتي لأبيك، فالبيت له.

2-إذا كانت المساعدات تأتي لأمك، وكانت تدفع الأقساط بنية التملك، أو المشاركة في الملكية، لا بنية التبرع، فالبيت لها إن كان ثمنه كله من هذه المساعدات، فإن شارك الأب في دفع الثمن، فالبيت بينهما بحسب ما دفع كل منهما.

3-إذا دفعت أمك المساعدات متبرعة لأبيك، فالبيت له، والأصل أنه لا يجوز لأمك الرجوع في تبرعها، إلا إذا كانت تبرعت لغرضٍ – كما سبق- وفات غرضها بالطلاق؛ فلها الرجوع.

وفي حال كانت أمك لا تستحق البيت، ولا بعضه، على ما سبق بيانه؛ فلا يجوز لها أن تعتمد على حكم المحكمة في الاستيلاء عليه، أو الحصول على شيء منه لم يأذن لها الشرع به؛ فإن حكم المحكمة- ولو كانت محكمة شرعية- لا يُحل الحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ  رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب