الحمد لله.
أولاً:
التعليم ليس من مصارف الزكاة
بيّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله :
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" يقول تعالى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ) أي: الزكوات الواجبة، بدليل أن الصدقة المستحبة لكل أحد، لا يخص بها أحد دون أحد.
أي: إنما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون من عداهم، لأنه حصرها فيهم، وهم ثمانية أصناف.
الأول والثاني: الفقراء والمساكين، وهم في هذا الموضع، صنفان متفاوتان، فالفقير أشد حاجة من المسكين، لأن الله بدأ بهم ، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم، ففسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئا ، أو يجد بعض كفايته دون نصفها.
والمسكين: الذي يجد نصفها فأكثر ، ولا يجد تمام كفايته ، لأنه لو وجدها لكان غنيا ، فيعطون من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم.
والثالث: العاملون على الزكاة، وهم كل من له عمل وشغل فيها، من حافظ لها ، أو جاب لها من أهلها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك ، فيعطون لأجل عمالتهم، وهي أجرة لأعمالهم فيها.
والرابع: المؤلفة قلوبهم ، المؤلف قلبه: هو السيد المطاع في قومه ، ممن يرجى إسلامه ، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة.
الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم، فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم، فيعانون على ذلك من الزكاة، وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار داخل في هذا، بل أولى ، ويدخل في هذا أنه يجوز أن يعتق منها الرقاب استقلالا، لدخوله في قوله: ( وَفِي الرِّقَابِ ).
السادس: الغارمون، وهم قسمان:
أحدهما: الغارمون لإصلاح ذات البين ، وهو أن يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة ، فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم بمال يبذله لأحدهم أو لهم كلهم ، فجعل له نصيب من الزكاة ، ليكون أنشط له وأقوى لعزمه ، فيعطى ولو كان غنيا.
والثاني: من غرم لنفسه ثم أعسر، فإنه يعطى ما يُوَفِّي به دينه.
والسابع: الغازي في سبيل الله، وهم: الغزاة المتطوعة، الذين لا ديوان لهم، فيُعطَون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم، من ثمن سلاح، أو دابة، أو نفقة له ولعياله، ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه.
وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطي من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله.
وقالوا أيضا: يجوز أن يعطى منها الفقير لحج فرضه، وفيه نظر.
والثامن: ابن السبيل، وهو الغريب المنقطع به في غير بلده ، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، فهؤلاء الأصناف الثمانية الذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 341).
فلا يجوز صرف الزكاة في غير ما ذكر في هذه الآية.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف، إلا ما روي عن عطاء، والحسن ، أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق، فهي صدقة ماضية. والأول أصح؛ وذلك لأن الله تعالى قال: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ). و( إِنَّمَا ) للحصر تثبت المذكور، وتنفي ما عداه " انتهى من"المغني" (9/306).
والتعليم كما يتبيّن مما سبق : ليس من مصارف الزكاة.
لكن إن كان المعلم فقيرا ، فإنه يعطى من الزكاة لأجل فقره.
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" ما حكم صرف الزكاة لجماعة تحفيظ القرآن الكريم، حيث إن المندوبية بحاجة ماسة إلى الدعم المادي الذي تعتمد عليه بعد الله في استمرارها لتأدية رسالتها تجاه كتاب الله؟
الجواب: الزكاة قد حدد الله سبحانه مصارفها في ثمانية أصناف، فلا يجوز الصرف في غيرها، ومن ذلك مشروع تحفيظ القرآن، فإنه ليس من المصارف الثمانية، فلا يجوز صرف الزكاة فيه، ولكن إذا كان بعض الطلبة أو المدرسين فقيرا، فإنه يعطى منها لفقره، لا من أجل عمله.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (8/408).
ثانيا:
دفع صاحب الزكاة زكاته بنفسه هل تجزئه؟
صاحب الزكاة إذا دفع زكاته بنفسه إلى من يستحقها فإنها تجزئه.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ويستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه؛ ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة. قال الإمام أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان. فهو جائز...
ولنا، على جواز دفعها بنفسه: أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه، فأجزأه، كما لو دفع الدين إلى غريمه...
ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام جائز، سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلف، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها؛ لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه، كولي اليتيم إذا قبضها له، ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه " انتهى من"المغني" (4/ 92-95).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
" قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه. وهذا لا خلاف فيه، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين، والأموال الباطنة هي: الذهب، والفضة، والركاز، وعروض التجارة...
وأما الأموال الظاهرة، وهي: الزروع، والمواشي، والثمار، والمعادن، ففي جواز تفريقها بنفسه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما أصحهما وهو الجديد: جوازه " انتهى من"المجموع" (6 /164).
والله أعلم.
تعليق