الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

لماذا لا يستر القاتل على نفسه كما يقال للزاني؟

356969

تاريخ النشر : 01-04-2024

المشاهدات : 2641

السؤال

لماذا لا يستر القاتل علي نفسه، كما تقولون للزاني أو للزانية استري علي نفسك، حتي ولو نتج من زنا المرأه حمل، أليس للزوج حق في أن زوجته دنست فراشه، وأدخلت عليه من ليس منه؟ ثم تقولون: إنها لو تابت فلعل الله تعالى يرضي عنها زوجها يوم القيامة، فلماذا لا تقولون للقاتل تُبْ، واستر علي نفسك، فلعل الله تعالى يُرضي عنك أولياء الدم والمقتول يوم القيامة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله تعالى، وحق القتيل، وحق أولياء القتيل.

فإذا تاب القاتل توبة صادقة، بالندم، والعزم على عدم العود، وسلم نفسه لأولياء المقتول، سقط حق الله وحق الأولياء، وبقي حق المقتول، ويرجى أن يسقطه الله تعالى ويرضي المقتول.

قال ابن القيم رحمه الله : " والتحقيق في المسألة: أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق : حق لله ، وحق للمظلوم المقتول ، وحق للولي.

فإذا سلّم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ، ندما على ما فعل ، وخوفا من الله ، وتوبة نصوحا : يسقط حق الله بالتوبة ، وحق الولي بالاستيفاء، أو الصلح ، أو العفو.

وبقى حق المقتول؛ يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه ، فلا يبطل حق هذا ، ولا تبطل توبة هذا " انتهى من "الجواب الكافي" ص 102.

ونقله المرداوي في "تصحيح الفروع" (6/171) وقال : " وتبع في ذلك الشيخ تقي الدين فإنه فصل هذا التفصيل واختاره , وهو الصواب الذي لا شك فيه ".

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والعمد فيه ثلاثة حقوق :

الأول : حق الله ، وهذا يسقط بالتوبة .

الثاني : حق أولياء المقتول ، ويسقط بتسليم نفسه لهم .

الثالث : حق المقتول ، وهذا لا يسقط ؛ لأن المقتول قد قُتل وذهب ، ولكن هل يؤخذ من حسنات القاتل ، أو أن الله تعالى بفضله يتحمل عنه ؟

الصواب : أن الله بفضله يتحمل عنه إذا علم صدق توبة هذا القاتل " انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 7).

ثانيا:

الزنا بالمتزوجة برضاها، يتعلق به حقان: حق الله تعالى، وحق الزوج الذي أفسدت فراشه، وربما ألحقت به ما ليس منه.

وكان الأصل أن نقول إن الزانية يلزمها أمران: التوبة إلى الله تعالى بالندم والعزم على عدم العود، والتحلل من زوجها الذي ظلمته وآذته.

لكن هذا التحلل يترتب عليه مفاسد كثيرة أوجبت ترجيح الستر على النفس، مع رجاء أن يرضي الله الزوج يوم القيامة.

فمن مفاسد ذلك: أن تشيع الفاحشة في المجتمع، ويتساهل الناس فيها لكثرة سماعهم لها، وتنهار بيوت بما فيها من أولاد، كان يمكن أن يعيشوا في كنف الأبوين، ويعيّر هؤلاء الأولاد بأمهم ما عاشوا، وقد يثور الزوج فيقتل الزوجة أو من زنى بها، وقد يفعل ذلك أحد أوليائها.

فالفضيحة والاعتراف قد ينشأ عنها القتل، والضياع، والذل للأولاد، بل ولأولادهم، فضلا عن إخوان المرأة ومن يتصل بها.

فمن تأمل هذه الأمور، علم أن ما جاءت به الشريعة من الدعوة للتوبة، مع الستر؛ هو خيرها، وأقلها مفسدة.

قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (663).

وروى البخاري (4894) عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَتُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَسْرِقُوا). وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ - وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ الآيَةَ - (فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهْوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه مسلم (2590).

 وينظر للأهمية: جواب السؤال رقم: (423583).

ثالثا:

هذه المفاسد المذكورة: لا توجد في مسألة القتل، بل هناك مصالح في التحلل من أولياء المقتول، منها: إطفاء ثائرتهم ونار غضبهم، وتقليل القتل، وتنفير الناس منه، لما يرونه من ذل القاتل، وتحكم أولياء المقتول في مصيره، هل يعفون أو يقبلون الدية، أو القصاص.

قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ رواه البخاري (6880)، ومسلم (1355).

(يودي) أي : تدفع ديته ، (يقاد) : أي يقتص من القاتل .

والحاصل:

أن الأصل هو التحلل من المظلوم، إلا أن يخشى ترتب مفسدة أعظم، كما في مسألة الزنا، وكما في الغيبة أو القذف، إذا خشي من التحلل حصول الكراهية وزيادة الشر.

قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" ( 1/92 ) : وقيل إن علم به المظلوم؛ وإلا: دعا له، واستغفر، ولم يعلمه، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين .

وذكر غير واحد: إن تاب مِنْ قَذفِ إنسان، أو غيبة قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحلل منه ؟ على روايتين .

واختار القاضي: أنه لا يلزمه؛ لما روى أبو محمد الخلال، بإسناده، عن أنس مرفوعاً : ( من اغتاب رجلاً ثم استغفر له من بعد: غفر له غيبته ). وبإسناده عن أنس مرفوعاً : ( كفارة من اغتيب أن تستغفر له ).

والحديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأن في إعلامه إدخال غم عليه . قال القاضي : فلم يجز ذلك ، وكذا قال الشيخ عبد القادر .

وقال ابن عبد البر في كتاب ( بهجة المجالس ) : قال حذيفة رضي الله عنه : كفارة من اغتبته أن تستغفر له .

وقال عبد الله بن المبارك، لسفيان بن عيينة : التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. فقال سفيان: بل تستغفر مما قلت فيه ، فقال ابن المبارك : لا تؤذوه مرتين .

ومثل قول ابن المبارك: اختاره الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشافعي في ( فتاويه).

وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة، قال : فكل مظلمة في العِرض من اغتياب صادق ، وبهت كاذب: فهو في معنى القذف، إذ القذف قد يكون صادقاً، فيكون في المغيب غيبة ، وقد يكون كذباً فيكون بهتاً .

واختار أصحابنا: أنه لا يُعْلِمه؛ بل يدعو له دعاء يكون إحساناً إليه في مقابل مظلمته كما روي في الأثر" انتهى.

فحيث وجدت المفسدة من التحلل، عُدل عنه إلى الستر، والدعاء للمظلوم، وهذا ما تؤمر به الزانية، أن تتوب، وتدعو لزوجها في مقابل مظلمته.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب