الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

سرق مالا من الدولة واستثمره وربح فكيف يرده وما حكم الربح؟

357403

تاريخ النشر : 19-05-2023

المشاهدات : 3728

السؤال

أحد أصدقائي قام بسرقة أموالا عامة من الدولة، واشترى أصولا، وهو يكسب منها، وهو يساعد المحتاجين، من خلال التبرع بالمال؛ للتيسير في الغالب للأغراض الطبية، وأحيانًا يستخدمه لغرضه الخاصّ، لقد استولى عليه الخوف من الله تعالى، وطلب المغفرة من الله تعالى، ويريد أن يعيد المال الذي معه، كما قرّر أن يبيع جميع الأصول التي اشتراها لإعادة المال، ليس لديه كل الأموال التي سرقها، ويفضّل أن يُعيد المبلغ بالكامل إلى الدولة / الجمهور عن طريق تمويل مسجد، أو للأعمال المجتمعية، أو الخيرية، فما هي الطريقة الأفضل لإعادة الأموال؟ كما إنه استثمار الأموال التي لديه في عمل مربح لإعادة المبلغ كاملاً إلى الدولة / الجمهور الذي يدين به؟ وبعد دفع كل المستحقات المسروقة إلى الدولة / الجمهور ، هل يكون الاستثمار والأرباح بعد ذلك حلالا له؛ لأنه يشمل وقته وجهده؟ على سبيل المثال العقارات، والتي يمكنه بالتأكيد سداد كامل المبلغ مع مرور الوقت، إعادة المال الذي لديه بعد بيع جميع الأصول؟ في هذه الحالة لا يمكنه تغطية جميع الأموال التي سرقها، والاحتفاظ بالأصول والاستثمارات الموجودة دون بيعها وسدادها للدولة / الجمهور سنويًا حتى تغطّي كامل الأموال المسروقة. ورد في بعض المقالات أنه إذا قمت بالتجارة من المال الحرام فإنّ الكسب حلال إلى حدّ ما مثل 50٪ لأنه يشمل وقته وجهده؟ هل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز الاعتداء على المال العام، كما لا يجوز الاعتداء على المال الخاص.

وقد روى البخاري (3118) عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

والواجب على من فعل ذلك: أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يبادر برد المال من حيث أخذه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ) رواه أحمد (20098)، وأبو داود (3561)، والترمذي (1266)، وابن ماجه (2400)، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حسن لغيره.

فإن كان أصل المال الذي أخذه مئة ألف مثلا، وجب أن يرد ذلك إلى نفس المكان الذي سرقه منه؛ إذا أمكنه ذلك دون مضرة.

فإن كان لا يمكنه رد المال إلا بالاعتراف بالسرقة، فإنه يكتفي بوضع المال في المصارف التي تنفق فيها الدولة ، كالمساجد والمستشفيات والمدارس ونحو ذلك.

ثانيا:

أما الأرباح التي نتجت من استثماره المال، فإنها محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول: إنها تكون له- مع إثمه-، ومنهم من يقول: بل جميعها يكون للدولة، ومنهم من يقول: إنها تقسم بينهما كربح المضاربة، وهذا أعدل الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فينظر كم يعطى المضارب لو ضارب بالمال، النصف أو الثلث مثلها، فيعطى لهذا المعتدي، ويلزمه رد الباقي مع أصل المال.

قال رحمه الله: "أما المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة، وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله، أو يكون للعامل أجرة مثله إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك، كما فعل عمر بن الخطاب ... وهو العدل؛ فإن النماء حصل بمال هذا وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح، ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا يعدوهما؛ بل يجعل الربح بينهما، كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/322).

وقال رحمه الله: "فإنا نعلم بالاضطرار أن المال المستفاد إنما حصل بمجموع منفعة بدن العامل ومنفعة رأس المال؛ ولهذا يرد إلى رب المال مثل رأس ماله ويقتسمان الربح، كما أن العامل يبقى بنفسه التي هي نظير الدراهم. وليست إضافة الربح إلى عمل بدن هذا، بأولى من إضافته إلى منفعة مال هذا.

ولهذا فالمضاربة التي تروونها عن عمر: إنما حصلت بغير عقد؛ لما أقرض أبو موسى الأشعري لابني عمر من مال بيت المال، فحملاه إلى أبيهما. فطلب عمر جميع الربح لأنه رأى ذلك كالغصب، حيث أقرضهما ولم يقرض غيرهما من المسلمين، والمال مشترك، وأحد الشركاء إذا اتَّجَر في المال المشترك بدون إذن الآخر، فهو كالغاصب في نصيب الشريك.

وقال له ابنه عبد الله: "الضمان كان علينا، فيكون الربح لنا".

فأشار عليه بعض الصحابة بأن يجعله مضاربة.

وهذه الأقوال الثلاثة في مثل هذه المسألة موجودة بين الفقهاء - وهي ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره - هل يكون ربح من اتَّجر بمال غيره، بغير إذنه لرب المال، أو للعامل، أو لهما؟ على ثلاثة أقوال.

وأحسنها وأقيسها: أن يكون مشتركا بينهما؛ كما قضى به عمر؛ لأن النماء متولد عن الأصلين" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 101).

وقصة عمر رواها مالك في الموطأ (1396) وفيها: " فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ، وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ ".

قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 127): إسناده صحيح.

فإن كان الناس في بلدكم يضاربون على النصف، فليقسِّم الربح مناصفة. وإن كانوا يضارون على الثلث والثلثين، أُعطي الثلث، وهكذا.

ثالثا :

التوبة واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها، وتوبة من سرق مالا لا تكون إلا برد المال إلى صاحبه.

وعلى هذا ؛ فلا يجوز تأخير التصدق بالمال لأجل أن يستثمره ، ويؤدي ما سرقه من ثمرته ؛ إلا إذا كان سيصيبه ضرر من ذلك ، لا يقدر عليه ، كأن يكون التزم للناس أعمالا يتضرر بالإخلال بها ، أو نحو ذلك ؛ فيلزمه الآن أن تتصدق بما أمكنه ، وباقي المال يكون دينا عليه يتصدق به حين ييسر الله له ذلك.

وليس من الضرر المعتبر: أن يفوته ربح هذا المال، ولا منفعته، ولا شيء من ثمرات المال المختلس ؛ لأن هذا كله غير مستحق له ، بل يجب عليه أن يبادر برده إلى حيث أخذه ، أو يبادر بالتوبة من غصب المال الحرام، والعمل فيه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب