الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

الرد على شبهة تأثير المانوية على دعوة محمد صلى الله عليه وسلم

359089

تاريخ النشر : 09-06-2021

المشاهدات : 10423

السؤال

سؤالى عن المانوية فقد قرأت فى بعض المواقع عنها وقيل إن النبى صلى الله عليه وسلم اخذ منها العديد من العقائد فهناك تشابه بينها وبين الإسلام، فمانى مؤسس هذه العقيدة ادعى أنه رسول وأن الملاك نزل عليه بالوحى وأن المسيحيين حرفوا كتبهم وبدلوها وأن المسيح لم يصلب وادعى أيضا أنه خاتم الرسل. والحقيقة أن هذا الامر بالخصوص هو ما لفت انتباهى وحيرنى فقد كنت أقول إن من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إنه خاتم النبيين؛ لأنه لا يقول مدعٍ للنبوة هذا الأمر ويضيق على نفسه فأريد أن أعرف حقيقة هذه الأمور وما هي هذه المانوية؟ وهل حقا فيها كل هذا. أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا

ملخص الجواب

1. كل من ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ دعوته عن رجل ما فهو ادعاء يناقض الحقائق الثابتة.  2. المانوية ديانة تنسب إلى مؤسسها "ماني" وهو شخص عاش بعد عيسى عليه السلام في بلاد فارس، ونشأ نصرانيا، ثم تأثر بالديانات الوثنية المنتشرة في بلاد فارس والهند والصين، فخلط بين المجوسية والنصرانية وكون فكرا خاصا به دعا الناس إليه.  3. الديانة التي كان ينشرها ماني أصولها مضادة لأصول الإسلام، ولدعوة جميع الرسل عليهم السلام؛ بل هي من جنس الديانة المجوسية مأخوذة منها، ولا يكاد يجهل كل مطالع للإسلام مدى مخالفة المجوسية ومنها المانوية للإسلام وانعدام الشبه بينهما وينظر للأهمية  تفصيل الرد على هذه الشبهات وبيان كذبها في الجواب المطول 

الحمد لله.

أولا:

ادعاء أن النبي ﷺ أخذ دعوته عن رجل يناقض الحقائق الثابتة 

من الحقائق التي عرفها أهل مكة عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قبل دعوته عاش بين أظهرهم أربعين سنة صادقا أمينا لا يعرف علما ولا علماء، ولا يقرأ ولا يكتب، ولا لغة له إلا العربية، ثم فجأة أتاهم بكتاب من عند الله تعالى فيه أخبار الماضي من بدء الخلق وما سيأتي إلى دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ويرشدهم إلى سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار. 

وقد كانت هذه حجة قاطعة على أهل الكفر من ذلك الزمن إلى يومنا هذا.

قال الله تعالى:  وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  العنكبوت/48.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب، لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها.

ومعلوم أن من يُعَلَّم من غيره: إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه، ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ." انتهى من "الجواب الصحيح" (5 / 338 - 339).

وقال الله تعالى:   نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ  يوسف/3.

وقال الله تعالى:   قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ   يونس/16.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

"في هذه الآية الكريمة حجة واضحة على كفار مكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم رسولا حتى لبث فيهم عمرا من الزمن، وقدر ذلك أربعون سنة، فعرفوا صدقه، وأمانته، وعدله، وأنه بعيد كل البعد من أن يكون كاذبا على الله تعالى، وكانوا في الجاهلية يسمونه الأمين، وقد ألقمهم الله حجرا بهذه الحجة في موضع آخر، وهو قوله: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).

ولذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان، ومن معه عن صفاته صلى الله عليه وسلم، قال هرقل لأبي سفيان: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا. وكان أبو سفيان في ذلك الوقت زعيم الكفار، ورأس المشركين ومع ذلك اعترف بالحق، والحق ما شهدت به الأعداء.

فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله. أ.هـ.

ولذلك وبخهم الله تعالى بقوله هنا: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)." انتهى من "أضواء البيان" (2 / 563 - 564).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"الحجة الثانية: أني قد لبثت فيكم عمري إلى حين أتيتكم به، وأنتم تشاهدوني وتعرفون حالي، وتصحبوني حضرا وسفرا، وتعرفون دقيق أمري وجليله، وتتحققون سيرتي هل كانت سيرة من هو من أكذب الخلق وأفجرهم وأظلمهم؟! فإنه لا أكذب ولا أظلم ولا أقبح سيرةً ممن جاهر ربه وخالقه بالكذب والفرية عليه، وطلب إفساد العالم وظلم النفوس والبغي في الأرض بغير الحق.

هذا وأنتم تعلمون أني لم أكن أقرأ كتابا ولا أخطه بيميني، ولا صاحبتُ من أتعلم منه؛ بل صُحْبَتُكم أنتم في أسفاركم لمن تتعلمون منه، وتسألونه عن أخبار الأمم والملوك وغيرها ما لم أشارككم فيه بوجه، ثم جئتكم بهذا النبأ العظيم الذي فيه علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وما سيكون على التفصيل. 

فأي برهان أوضح من هذا! " انتهى من "الصواعق المرسلة" (2 / 471).

فكل من ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ دعوته عن رجل ما فهو ادعاء يناقض الحقائق الثابتة.

وللتوسع في بيان تهافت هذه الشبهة: يرجى مراجعة الكتاب الفذ البديع "النبأ العظيم"، للعلامة الدكتور محمد عبد الله دراز، رحمه الله.ثانيا:

ما هي المانوية؟

المانوية ديانة تنسب إلى مؤسسها "ماني" وهو شخص عاش بعد عيسى عليه السلام في بلاد فارس، ونشأ نصرانيا، ثم تأثر بالديانات الوثنية المنتشرة في بلاد فارس والهند والصين، فخلط بين المجوسية والنصرانية وكون فكرا خاصا به دعا الناس إليه.

قال الشهرستاني رحمه الله تعالى:

"المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم، الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام. أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام. ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام." انتهى من "الملل والنحل" (1 / 244).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

"وَفِي زمن سابور ظهر ماني الزنديق. 

قال يحيى بْن بشر بن عمير النهاوندي: كان ماني أسقفا من أساقفة النصارى، كبيرا فيهم، محمود السيرة عندهم، وكان فِي أيام سابور ذي الأكتاف ملك فارس...

فابتدأ بالطعن عَلَى أصحاب الشرائع، ومال إِلَى شريعة المجوس القائلين بإلهين." انتهى من "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" (2 / 87 - 88).

المانوية مضادة ومخالفة للإسلام 

والديانة التي كان ينشرها ماني أصولها مضادة لأصول الإسلام، ولدعوة جميع الرسل عليهم السلام؛ بل هي من جنس الديانة المجوسية مأخوذة منها، ولا يكاد يجهل كل مطالع للإسلام مدى مخالفة المجوسية ومنها المانوية للإسلام وانعدام الشبه بينهما، ويظهر هذا من أوجه عديدة من أهمها:

الوجه الأول:

الإسلام جاء بالتوحيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم من يوم بعث إلى أن توفي وهو يدعو إلى توحيد الله تعالى في ربوبيته؛ فلا رب للعالمين سواه، وأنه خالق كل شيء، وأنه لا يخرج عن قدرته وملكه شيء ولا أمر، وأنه هو الله الأحد الفرد الصمد فلا يعبد سواه، وهو واحد في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى. 

وهذا من المعلوم لكل مسلم مهما قلّ علمه بدين الإسلام.

وأما ماني فكانت ديانته قائمة على الاعتقاد بوجود إلهين، النور والظلمة، وأنهما حيان خالقان، وأن بالتقائهما وجد الخلق فالروح خلقها النور، والأجساد خلقتها الظلمة.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

"... "الثنوية" الذين يزعمون أن ثمة إلهين خالقين، أحدهما: خالق للخير والنور والضياء، والآخر: خالق للشر والظلمة والبلاء. وإن ذلك من قولهم أعظم الكفر والخلود به في نار جهنم.

والحجة القاطعة عليهم: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) الآية، وإنما سموا "المانوية"؛ لأن رجلا يقال له: ماني، كان يدعو إلى اثنين، وزعموا أنه نبيهم، وكان في زمن الأكاسرة، فقتله بعضهم " انتهى. "المسالك" (3 / 401 - 402).

الوجه الثاني، والثالث:

من أصول الإسلام، الإيمان بالبعث بعد الموت وأنه تبعث الأجساد بأرواحها، وأن أهل الجنة ينعمون بأجسادهم وأرواحهم، وهذه من أمهات المسائل التي أكدتها آيات القرآن الكريم.

أما دعوة ماني فكانت تدعو إلى أن الروح حتى تنال السعادة، وتنجو من قوة الظلام، سبيل ذلك إنما هو بانفصال الروح عن الجسد، وتحررها منه.

وبناء على أصله الفاسد هذا كان يدعو إلى التسريع بفناء البشر، عن طريق ترك الزواج والزهد فيه.

جاء في "الموسوعة العربية العالمية" (22 / 173):

"المانوية: نظام فلسفي يزعم أصحابها  أن الحياة تحكمها قوتان، قوة النور (الخير)، وقوة الظلام (الشر)، وتكون الروح وهي من قوة النور كائنة داخل الجسم الذي يعد من قوة الظلام (الشر)، وتحاول الروح الهرب من الجسم، غير أن ذلك لا يحدث إلا عند الوفاة، عندما تعود الروح لبارئها.

يؤمن أصحاب هذه الفكرة، بأنه ينبغي على المرء أن يعيش ناكرا لذاته في هذه الحياة الدنيا، بعيدا عن الشهوات الجسدية... " انتهى.

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

"وكان ماني راهبا بحرَّان وأحدث هذا الدين، وهو الذي قتله الملك بهرام بن بهرام إذ ناظره بحضرته "أذرباذ بن ماركسفند موبذ موبذان" في مسألة قطع النسل، وتعجيل فراغ العالم، فقال له الموبذ: أنت الذي تقول بتحريم النكاح ليستعجل فناء العالم، ورجوع كل شكل إلى شكله وأن ذلك حق واجب؟

فقال له ماني: واجب أن يعان النور على خلاصه، بقطع النسل مما هو فيه من الامتزاج.

فقال له أذرباذ: فمن الحق الواجب أن يعجل لك هذا الخلاص الذي تدعو إليه، وتعان على إبطال هذا الامتزاج المذموم.

فانقطع ماني فأمر بهرام بقتل ماني، فقتل هو وجماعة من أصحابه." انتهى من "الفصل" (1 / 91).

الوجه الرابع:

كان ماني يدعو إلى الابتعاد عن الأطعمة الحيوانية، والاكتفاء بالأطعمة النباتية.

جاء في "الموسوعة العربية العالمية" (22 / 173):

"اهتمت المانوية ببعض التعاليم التي عدتها ضرورية لتحقيق نكران الذات، مثل الاعتماد على الحياة النباتية والبساطة في الحياة اليومية والبعد عن مارسة الجنس." انتهى.

بينما أباح الإسلام الطيبات من لحوم بهيمة الأنعام وغيرها، حتى شرع التقرب إلى الله تعالى بالذبائح، في الأضاحي والهدايا، ونحو ذلك، وجعل الأكل منها، وإطعام الفقراء: من جملة النسك المشروع.

الوجه الخامس:

لم يؤمن ماني بنبوة جميع الأنبياء عليهم السلام؛ فرغم نشأته النصرانية، إلا أنه لم يقر بنبوة موسى عليه السلام.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

"ولا يعرفون من الأنبياء عليهم السلام إلا عيسى عليه السلام وحده، وهم يقرون بنبوة زرادشت، ويقولون بنبوة ماني " انتهى. "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (1 / 91).

الوجه السادس:

كان ماني مولعا بالرسم. قال فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى:

"فصل فِي الثنوية: 

وهم أَربع فرق الفرقة الأولى "المانوية": أتباع ماني، وقد كان رجلا نقاشا خفيف اليد." انتهى من "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (ص 88).

واعتمد عليه في دعوته فزيّن رسائله وكتبه بالرسوم، كتزيين النصارى لكنائسهم.

ومن المعلوم أن الإسلام يحرّم تصوير ذوات الأرواح، ويدعو إلى تجنيب أماكن الصلاة الرسوم الملهية. كما في حديث عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ  رواه البخاري (5951) ومسلم (2108).

وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ :  أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ  رواه البخاري (5954) ومسلم (2107).

فالحاصل؛ أن المانوية مناقضة لدعوة الإسلام.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"والمهدي – الخليفة العباسي - كغيره من عموم الخلائف والملوك، له ما لهم، وعليه ما عليهم، كان منهمكا في اللذات واللهو والصيد، ولكنه مسلم خائف من الله، قد تتبع الزنادقة وأباد خلقا منهم.

فذكر محمد بن مقدم الواسطي، عن أبيه: أن المهدي قال لابنه الهادي يوما - وقد قُدِّم إليه زنديق، فاستتابه، فلم يتب، فضرب عنقه - : يا بني إن وُلِّيتَ، فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنهم يدعون إلى ظاهر حسن، كاجتناب الفواحش والزهد والعمل للآخرة، ثم بعد ذلك يخرجون الناس إلى تحريم اللحوم ومس الماء للتطهر، وترك قتل الهوام تحرجا وتأثما، ثم يخرجون من هذا إلى عبادة اثنين، أحدهما النور، والآخر الظلمة، ثم يبيحون نكاح الأخت والبنت، والغسل بالبول، فجرد فيهم السيف..." انتهى من "تاريخ الإسلام" (4 / 507).

ثالثا:

الرد على ادعاءات ماني مؤسس المانوية

وبناء على ما سبق؛ فإن قول بعض الكذبة من النصارى وأهل الزيغ والضلال: إن الإسلام شابه المانوية، في كون الوحي ينزل على الرسول بواسطة ملك، وإن المسيحيين حرفوا كتبهم وبدلوها وإن المسيح لم يصلب؛ فهذه الأمور ليست من اختراع ماني حتى يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها منه، بل كانت أمورا معلومة عند النصارى الذين نشأ بينهم ماني.

فكون الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه بواسطة ملك، وهو جبريل عليه السلام، فهذا يدل على نبوته، وأنه كإخوانه من الرسل، وبهذا عرف ورقة بن نوفل - الباحث عن الحق - صدق نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.

كما في حديث عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عن بداية الوَحْيِ:

"حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ...

فَقَالَ:  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ  ، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ...

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى..." رواه البخاري (3) ،ومسلم (160).

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

"الناموس: صاحب سر الملِك. وهو خاصُّه الذي يُطلعه على ما يطويه عن غيره من سرائره. وقيل: الناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس: صاحب سر الشر. وأراد به جبريل عليه السلام، لأن الله تعالى خصه بالوحي والغيب اللذين لا يطلع عليهما غيره." انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (5 / 119).

وأما مسألة أن المسيحيين حرفوا كتبهم وبدلوها وأن المسيح لم يصلب، فهذه المسائل ليست من اختراع ماني بل كانت محور نقاش واختلاف النصارى بعد عيسى عليه السلام، ومن دلائل صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يأتيه من الله تعالى من الوحي ما يبين به الحق في المسائل التي اختلف فيها هؤلاء اليهود والنصارى.

قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  النمل/76.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

"يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك يا محمد يقصّ على بني إسرائيل الحقّ، في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، وذلك كالذي اختلفوا فيه من أمر عيسى، فقالت اليهود فيه ما قالت، وقالت النصارى فيه ما قالت، وتبرأ - لاختلافهم فيه - هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وغير ذلك من الأمور التي اختلفوا فيها، فقال جلّ ثناؤه لهم: إن هذا القرآن يقصّ عليكم الحق فيما اختلفتم فيه فاتبعوه، وأقرّوا لما فيه، فإنه يقص عليكم بالحقّ، ويهديكم إلى سبيل الرشاد." انتهى من "تفسير الطبري" (18 / 116 - 117).

وأما مسألة ادعاء ماني أنه خاتم الأنبياء، فهذه دعوى، إن كان قد ادعاها حقيقة؛ فلكونه كان نصرانيا عالما بالإنجيل، وعلم بتبشير عيسى عليه السلام بنبي عظيم يأتي من بعده يختم به الأنبياء والرسل، وهذه البشارة كانت مشهورة بين النصارى الذين كان منهم ماني.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وخاتم النبوة: من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل الكتاب ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها.

وقد روي: أن هرقل بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه " انتهى. "لطائف المعارف" (ص 183).

وكما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد سبق ذكرها في الموقع 

فيكون ماني قد انتحل هذا التبشير ليصرفه إلى نفسه، لكن الله تعالى أبان كذبه وقطع دابره.

وأكرم الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بختم النبوة فاستمرت بركة دعوته إلى عصرنا والمسلمون يشاهدون ويلمسون في كل قرن صدق دعوة الإسلام، فلا يشك مسلم بأن نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وليس بعده إلا قيام الساعة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب