الحمد لله.
حكم تغطية المرأة شعرها في الصلاة
يلزم المرأة أن تغطي شعرها وجميع بدنها- عدا الوجه والكفين- في صلاتها.
والدليل على ذلك السنة والإجماع.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الحَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ .
رواه الترمذي (377)، وأبو داود (641)، وابن ماجه (655)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 251) وقال: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/ 214).
قال الخطابي رحمه الله: " يريد بالحائض: المرأة التي قد بلغت سن المحيض، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها؛ فإن الحائض لا تصلي " انتهى من "معالم السنن" (1/180).
والخمار من شأنه أنه يغطي الرأس والرقبة وأعالي الصدر.
وأما الإجماع : فقال ابن المنذر رحمه الله: " أجمع أهل العلم على المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن صلاتها فاسدة، وأن عليها إعادة الصلاة " انتهى من "الأوسط"(5/69).
وأما الحكمة من ذلك: فلعل ذلك هو الزينة، مع التوقير والأدب، أن تقف المرأة بين يدي الله تعالى بلباس وهيئة فيها زينة ووقار وحشمة.
قال الله تعالى: يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد الأعراف/31.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (7/190): " دلت الآية على وجوب ستر العورة كما تقدم. وذهب جمهور أهل العلم إلى أنها فرض من فروض الصلاة" انتهى.
ومما يدل على أن لباس الصلاة روعي فيه الوقار أثناء الوقوف بين يدي الله، ما جاء في حق الرجل من أمره بوضع شيء على كتفه، مع أن عورته ما بين السرة والركبة.
روى أحمد (9980)، والنسائي (769) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما التزين للصلاة: فأمر زائد على ستر العورة .
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد ؛ أنزله الله سبحانه لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة إلا الحمس، ويقولون: ثياب عصينا الله فيها؛ لا نطوف فيها!! ...
فحرم الله ذلك، وأمر بأخذ الزينة، وهي اللباس، ولو كان عباءة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن ينادي بالناس عام حج: ( ألا لا يطوفن بالبيت عريان ) . متفق عليه . وكل محل للسجود فهو مسجد؛ وهذا يدل على أن السترة للصلاة والطواف: أمر مقصوده التزين لعبادة الله، ولذلك جاء باسم الزينة، لا باسم السترة، ليبين أن مقصوده أن يتزين العبد، لا أن يقتصر على مجرد الاستتار.
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله الصلاة حائض إلا بخمار ) ، وقوله: ( إذا ما اتسع الثوب، فتعاطف به على منكبيك ثم صل، وإذا ضاق عن ذلك، فشد به حقويك ثم صل، من غير رداء ) ، وغير ذلك من الأحاديث ...
وأما الإجماع، فقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف: أن عليها إعادة الصلاة.
وكذلك حكى غيره الإجماع على اشتراط السترة في الجملة.
وإذا كان مقصود السترة في الصلاة أن يتزين العبد لربه في الصلاة لأنه يناجيه، فانه يجب عليه السترة عن نفسه وعن غيره؛ فلو صلى في قميص واسع الجيب، ولم يزره ولا شد وسطه، بحيث يرى عورته منه في قيامه أو ركوعه: لم تصح صلاته، وإن كان يجوز أن يرى عورة نفسه ويمسها؛ لما روى سلمة بن الاكوع قال: ( قلت يا رسول الله، إني أكون في الصيد وأصلي وليس علي إلا قميص واحد؟ قال: فزِرَّه، وإن لم تجد إلا شوكة ). رواه احمد وأبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل حتى يحتزم ). رواه احمد وأبو داود . ولذلك وجب أن تستر المرأة رأسها، وإن كان يجوز أن تقعد خالية مكشوفة الرأس...
فليس كل ما جاز كشفه خارج الصلاة، جاز في الصلاة؛ إذ هي أشد.." انتهى، من "شرح العمدة" (4/258-260).
وقال أيضا:
" فهذا ستر النساء عن الرجال، وستر الرجال عن الرجال، والنساء عن النساء في العورة الخاصة...
وفي الصلاة نوع ثالث؛ فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها؛ فأخذ الزينة في الصلاة لحق الله، فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانا ولو كان وحده بالليل، ولا يصلي عريانا ولو كان وحده؛ فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن ليحتجب عن الناس؛ فهذا نوع وهذا نوع.
وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال؛ فالأول: مثل المنكبين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء؛ فهذا لِحَقِّ الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة.
كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها، فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم.
وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب، على أصح القولين .. بل لا تبدي إلا الثياب. وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد. فكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى. فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة. قالت: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قالت: " الفتخ " حلق ... " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (22/114-115).
وينظر اختلاف العلماء في ستر المرأة لقدميها في الصلاة، في جواب السؤال رقم:(193034).
وقال ولي الله الدهلوي: "اعْلَم أَن لبس الثِّيَاب مِمَّا امتاز بِهِ الْإِنْسَان عَن سَائِر الْبَهَائِم، وَهُوَ أحسن حالات الْإِنْسَان، وَفِيه شُعْبَة من معنى الطَّهَارَة، وَفِيه تَعْظِيم الصَّلَاة، وَتَحْقِيق أدب الْمُنَاجَاة بَين يَدي رب الْعَالمين، وَهُوَ وَاجِب أصلي جُعل شرطا فِي الصَّلَاة لتكميله مَعْنَاهَا.
وَجعله الشَّارِع على حَدَّيْنِ: حد لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ شَرط صِحَة الصَّلَاة، وحد هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ.
فَالْأول مِنْهُ السوأتان وَهُوَ آكدهما، وَأُلْحق بهما الفخذان، وَفِي الْمَرْأَة سَائِر بدنهَا، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تقبل صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار " يَعْنِي الْبَالِغَة لِأَن الْفَخْذ مَحل الشَّهْوَة، وَكَذَا بدن الْمَرْأَة فَكَانَ حكمهَا حكم السوأتين.
وَالثَّانِي: قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء، وَقَالَ: " إِذا كَانَ وَاسِعًا فَخَالف بَين طَرفَيْهِ " ؛ والسر فِيهِ أَن الْعَرَب والعجم وَسَائِر أهل الأمزجة المعتدلة إِنَّمَا تَمام هيئتهم وَكَمَال زيهم على اخْتِلَاف أوضاعهم فِي لِبَاس القباء والقميص والحلة وَغَيرهَا: أَن يستر العاتقين وَالظّهْر، وَسُئِلَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فَقَالَ : (أَو لكلهم ثَوْبَان) ، ثمَّ سُئِلَ عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِذا وسع الله فوسعوا ....إلخ.
أَقُول: الظَّاهِر أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَن الْحَد الأول، وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ بَيَان للحد الثَّانِي. وَيحْتَمل أَن يكون السُّؤَال فِي الثَّانِي الَّذِي هُوَ مَنْدُوب، فَلم يَأْمر بثوبين لِأَن جَرَيَان التشريع، وَلَو بِالْحَدِّ الثَّانِي، بِاشْتِرَاط الثَّوْبَيْنِ: حرج، وَلَعَلَّ من لَا يجد ثَوْبَيْنِ يجد فِي نَفسه، فَلَا تكمل صلَاته لما يجد فِي نَفسه من التَّقْصِير، وَعرف عمر رَضِي الله عَنهُ أَن وَقت التشريع انْقَضى، وَمضى، وَكَانَ قد عرف اسْتِحْبَاب إِكْمَال الزي فِي الصَّلَاة، فَحكم على حسب ذَلِك، وَالله أعلم.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُصَلِّي وَرَأسه معقوص من وَرَائه: " إِنَّمَا مثل هَذَا مثل الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مكتوف ".
أَقُول: نبه على أَن سَبَب الْكَرَاهِيَة الْإِخْلَال بالتجمل وَتَمام الْهَيْئَة وزي الْأَدَب" انتهى من "حجة الله البالغة" (1/ 328).
والحاصل:
أن لباس المرأة في الصلاة روعي فيه التجمل وتمام الهيئة والأدب والوقار، وهذا تعرفه كل مسلمة إذا ارتدت خمارها لتقف بين يدي الله، وأن ذلك يختلف اختلافًا بينا عما لو قيل: تصلي وهي كاشفة شعرها أو صدرها أو ذراعيها.
فلله الحمد والمنة على ما شرع لعباده من الكمال والفضل.
والله أعلم.
تعليق